السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النبأ والخبر والنأي والبعد والسؤال والاستخبار والاستفهام
يقول الشاعر الحطيئة:
ألا حبّذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ
وهند أتى من دونها، النأيُ والبُعدُ
فإذا كان النأي و البُعد ، من مترادفات اللغة، فلماذا قام الشاعر بعطف إحداهما على الأخرى، كما لو أنهما مختلفتان؟ يقول العسكري: "النّأي يكون لما ذهب عنك إلى حيث بلغ، وأدنى ذلك يقول له: النأي". فيفسّرها تقديراً، بأنه أتى من دونها النأيُ الذي يكون أول البعد، والبعد الذي يكاد يبلغ الغاية.
والاستخبار، فهو طلب الخبر، وحسب. ويختلف عن السؤال الذي يمكن أن يكون طلب الأمر وطلب الأمر والنهي، وهو أن يسأل السائل غيره، أن يأمره بالشيء أو ينهاه عنه.
ويظهر أن الاستفهام، هو لما يجهله المستفهِم، أو يشك فيه.
ومثلها الفرق بين الصوت و الصياح، فالأول "عام في كل شيء، كصوت الحجر وصوت الباب وصوت الإنسان". بينما الصياح: "لا يكون إلا لحيوان".
ومن المترادفات التي هي مختلفة، في الحقيقة، الإعادة والتكرار، لأن التكرار يقع على إعادة الشيء، مرة واحدة. أما التكرار فعلى إعادة الأمر، مرات".
ومنها الفرق بين التضاد و التناقض، فالتناقض في الأقوال، والتضاد في الأفعال. فالفعلان متضادان، لا متناقضان.
والفرق بين الإنكار و الجَحد، فالأخير أخصّ من الأول، بحسب العسكري. فأمّا الإنكار فهو للنعمة، لأن النعمة قد تكون خافية. بينما يمكن أن يكون الجحد هو إنكار الشيء مع العلم به.
الاختصار و الإيجاز ، من المترادفات التي تؤدي معنى واحداً تقريباً، إلا أنهما في الأصل مختلفتان. فالاختصار، هو إلقاؤك فضول الألفاظ من الكلام المؤلف، من غير إخلال بمعانيه. أمّا الإيجاز فهو البناء على قلّة اللفظ، وكثرة المعاني. فيقال "أوجز الرجل في كلامه، إذا جعله على هذا السبيل". أمّا "اختصر كلامه، إذا قصّره بعد إطالة". بحسب العسكري.
ومن المترادفات المختلفات، النبأ والخبر . فالنّبأُ لا يكون إلا للإخبار بما لا يعلمه المخبّر. ويجوز أن يكون الخبرُ، بما يعلمه وبما لا يعلمه. كذلك فإن الإنباءَ عن الشيء، قد يتم بغير حمل النبأ عنه، فتقول "هذا الأمر ينبئ بكذا" ولا تقول "يخبر بكذا". لأن الإخبار لا يكون إلا بحمل الخبر. يقول العسكري.
وخبر الشيء وخبره، عرفه. والخبير من الخبرة وخبر. ويأتي النبأ بمعنى الخبر، إنما مشمولاً بتعظيم وغموض. ويرد في "لسان العرب": نبأ عليهم ينبأ، هجم وطلع. ونبأَ من بلد: طرأَ. ونبأ نبأً: ارتفع.
وجاء في "مقاييس اللغة" لابن فارس أن النبأ هو الإتيانُ من مكان إلى مكان. والرجلُ النابئ هو الذي يأتي من بلد إلى بلد. ويستطرد: "ومن هذا القياس النبأ: الخبر، لأنه يأتي من مكان إلى مكان". ويستكمل في القياس ذاته: "والنبأة: الصوت، وهذا هو القياس، لأن الصوت يجيء من مكان إلى مكان". وهذا لا ينطبق على الخبر الذي لا شرط لحصوله بالانتقال من مكان إلى آخر. وهكذا يفهم شرط الانتقال من مكان إلى آخر كيصبح النبأ نبأً، فاكتسب الصوت اسم النبأة، لتمكّنه من الانتقال، حصراً، ولولا مزية الانتقال لما سمّي الصوت نبأةً.
هكذا يظهر الاختلاف الشديد بين الخبر والنبأ، ذلك أن الأخير عظيم ومجهول ويحمل معنى الترقب والوعيد مسبوقاً بالوعد أو تالياً له. من هنا الإجماع على أن "النبأ العظيم" التي ترد في القرآن الكريم، تحمل معنى يوم القيامة، أو أنها تشير إلى القرآن الكريم نفسه. مع ترجيح أن "النبأ العظيم" تعني القيامة والبعث بعد الموت. وكذا تتبدى أهمية إشارة ابن فارس إلى أن النبأ هو الإتيان من مكان إلى مكان، معطوفاُ عليها قوله إن من هَمَز بالنّبي (ص)، فلأنه "أنبأ عن الله. والله أعلم". بحسب كلامه.
ويأتي النبأ والرجل النابئ، بما يشتمله من معنى غامض يخاف منه، وفيه قول الشاعر الذي ينقله ابن فارس: "ولكن قذاها كلّ أشعث نابئ أتتنا به الأقدار من حيث لا ندري. ذلك أن النابئ هو من جاء من بلد إلى بلد، لا تُعرف غاياته. ومثله "السيل النابئ" الذي يأتي من أرض إلى أرض، لا يعرف ما في وحله ومائه.
من هنا فإن للنبأ جسامةً وأثراً وشمولية ووعداً ووعيداً. ولعل هذا ما حدا بأغلب البلدان العربية لاستخدام صيغة "وكالة الأنباء" لا "وكالة الأخبار". ذلك أن الأولى أعمّ وأشمل وتتضمن معنى الجديد الغامض والمجهول والمفاجئ والجسيم. ولهذا اشترط العسكري في "الفروق" أن النبأ لا يكون إلا للإخبار بما لا يعلمه المخبر، فيما يجوز في الخبر أن يعلمه أو لا يعلمه، بحسب قوله.
يتبع .....
النبأ والخبر والنأي والبعد والسؤال والاستخبار والاستفهام
يقول الشاعر الحطيئة:
ألا حبّذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ
وهند أتى من دونها، النأيُ والبُعدُ
فإذا كان النأي و البُعد ، من مترادفات اللغة، فلماذا قام الشاعر بعطف إحداهما على الأخرى، كما لو أنهما مختلفتان؟ يقول العسكري: "النّأي يكون لما ذهب عنك إلى حيث بلغ، وأدنى ذلك يقول له: النأي". فيفسّرها تقديراً، بأنه أتى من دونها النأيُ الذي يكون أول البعد، والبعد الذي يكاد يبلغ الغاية.
والاستخبار، فهو طلب الخبر، وحسب. ويختلف عن السؤال الذي يمكن أن يكون طلب الأمر وطلب الأمر والنهي، وهو أن يسأل السائل غيره، أن يأمره بالشيء أو ينهاه عنه.
ويظهر أن الاستفهام، هو لما يجهله المستفهِم، أو يشك فيه.
ومثلها الفرق بين الصوت و الصياح، فالأول "عام في كل شيء، كصوت الحجر وصوت الباب وصوت الإنسان". بينما الصياح: "لا يكون إلا لحيوان".
ومن المترادفات التي هي مختلفة، في الحقيقة، الإعادة والتكرار، لأن التكرار يقع على إعادة الشيء، مرة واحدة. أما التكرار فعلى إعادة الأمر، مرات".
ومنها الفرق بين التضاد و التناقض، فالتناقض في الأقوال، والتضاد في الأفعال. فالفعلان متضادان، لا متناقضان.
والفرق بين الإنكار و الجَحد، فالأخير أخصّ من الأول، بحسب العسكري. فأمّا الإنكار فهو للنعمة، لأن النعمة قد تكون خافية. بينما يمكن أن يكون الجحد هو إنكار الشيء مع العلم به.
الاختصار و الإيجاز ، من المترادفات التي تؤدي معنى واحداً تقريباً، إلا أنهما في الأصل مختلفتان. فالاختصار، هو إلقاؤك فضول الألفاظ من الكلام المؤلف، من غير إخلال بمعانيه. أمّا الإيجاز فهو البناء على قلّة اللفظ، وكثرة المعاني. فيقال "أوجز الرجل في كلامه، إذا جعله على هذا السبيل". أمّا "اختصر كلامه، إذا قصّره بعد إطالة". بحسب العسكري.
ومن المترادفات المختلفات، النبأ والخبر . فالنّبأُ لا يكون إلا للإخبار بما لا يعلمه المخبّر. ويجوز أن يكون الخبرُ، بما يعلمه وبما لا يعلمه. كذلك فإن الإنباءَ عن الشيء، قد يتم بغير حمل النبأ عنه، فتقول "هذا الأمر ينبئ بكذا" ولا تقول "يخبر بكذا". لأن الإخبار لا يكون إلا بحمل الخبر. يقول العسكري.
وخبر الشيء وخبره، عرفه. والخبير من الخبرة وخبر. ويأتي النبأ بمعنى الخبر، إنما مشمولاً بتعظيم وغموض. ويرد في "لسان العرب": نبأ عليهم ينبأ، هجم وطلع. ونبأَ من بلد: طرأَ. ونبأ نبأً: ارتفع.
وجاء في "مقاييس اللغة" لابن فارس أن النبأ هو الإتيانُ من مكان إلى مكان. والرجلُ النابئ هو الذي يأتي من بلد إلى بلد. ويستطرد: "ومن هذا القياس النبأ: الخبر، لأنه يأتي من مكان إلى مكان". ويستكمل في القياس ذاته: "والنبأة: الصوت، وهذا هو القياس، لأن الصوت يجيء من مكان إلى مكان". وهذا لا ينطبق على الخبر الذي لا شرط لحصوله بالانتقال من مكان إلى آخر. وهكذا يفهم شرط الانتقال من مكان إلى آخر كيصبح النبأ نبأً، فاكتسب الصوت اسم النبأة، لتمكّنه من الانتقال، حصراً، ولولا مزية الانتقال لما سمّي الصوت نبأةً.
هكذا يظهر الاختلاف الشديد بين الخبر والنبأ، ذلك أن الأخير عظيم ومجهول ويحمل معنى الترقب والوعيد مسبوقاً بالوعد أو تالياً له. من هنا الإجماع على أن "النبأ العظيم" التي ترد في القرآن الكريم، تحمل معنى يوم القيامة، أو أنها تشير إلى القرآن الكريم نفسه. مع ترجيح أن "النبأ العظيم" تعني القيامة والبعث بعد الموت. وكذا تتبدى أهمية إشارة ابن فارس إلى أن النبأ هو الإتيان من مكان إلى مكان، معطوفاُ عليها قوله إن من هَمَز بالنّبي (ص)، فلأنه "أنبأ عن الله. والله أعلم". بحسب كلامه.
ويأتي النبأ والرجل النابئ، بما يشتمله من معنى غامض يخاف منه، وفيه قول الشاعر الذي ينقله ابن فارس: "ولكن قذاها كلّ أشعث نابئ أتتنا به الأقدار من حيث لا ندري. ذلك أن النابئ هو من جاء من بلد إلى بلد، لا تُعرف غاياته. ومثله "السيل النابئ" الذي يأتي من أرض إلى أرض، لا يعرف ما في وحله ومائه.
من هنا فإن للنبأ جسامةً وأثراً وشمولية ووعداً ووعيداً. ولعل هذا ما حدا بأغلب البلدان العربية لاستخدام صيغة "وكالة الأنباء" لا "وكالة الأخبار". ذلك أن الأولى أعمّ وأشمل وتتضمن معنى الجديد الغامض والمجهول والمفاجئ والجسيم. ولهذا اشترط العسكري في "الفروق" أن النبأ لا يكون إلا للإخبار بما لا يعلمه المخبر، فيما يجوز في الخبر أن يعلمه أو لا يعلمه، بحسب قوله.
يتبع .....