X

المدرسة العادلية الكبرى في دمشق

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • مرجان الأطرش
    Thread Author
    مشرف المنتديات العامة
    • Sep 2018 
    • 513 
    • 190 
    • 228 



    المدرسة العادلية الكبرى في دمشق
    للباحث عماد الأرمشي




    المدرسة العادلية الكبرى

    تقع المدرسة العادلية الكبرى داخل أسوار مدينة دمشق القديمة إلى الشمال الغربي من الجامع الأموي في محلة باب البريد ، ومتاخمة للمدرسة والمكتبة الظاهرية بالجادة المؤدية إلى سوق المسكية بقلب دمشق القديمة .
    وتعد المدارس المبنية بالعهدين الأيوبي والمملوكي من أجمل وأعظم المعالم الأثرية و المعمارية في دمشق الشام . ومن أشهر هذه المدارس في مدينة دمشق هي : المدرسة العادلية موضوع بحثي هذا والظاهرية كذلك ، وأجملهم شكلا وبناءً هي الجقمقية .


    مؤرخ المدارس ( الشيخ عبد القادر النعيمي ) تحدث عن موقعها في أيامه ( إبان العصر المملوكي ) على أنها داخل دمشق ، شمالي الجامع إلى الغرب ، وشرقي الخانقاه الشهابية ، وقبلي الجاروخية بغرب ، وتجاه باب الظاهرية يفصل بينهما الطريق .
    و كانت المدرسة في الماضي داراً للأمير عز الدين عبدان الفلكي صاحب الدار والحمام ، تجاه دار الحديث النورية بدمشق ، توفي رحمه الله تعالى سنة تسع وستمائة ، وإنما تجاهها اليوم العادلية الصغرى وحمام بن موسك ، فلعل العادليه هي دار الأمير عز الدين عبدان المذكور . انتهى .

    أقول هنا ضمن أبحاث المدارس القديمة في دمشق دراسة تاريخية مفصلة :
    لا خانقاه شهابية ..... ولا جاروخية ..... ولا دار الأمير عز الدين عبدان الفلكي .... ولا الحمام تجاه دار الحديث .... ( معروف لدينا بدمشق الشام اليوم في عام 2008 للميلاد .. ؟؟ الجميع قد إندرس ) .


    مخطط المدرسة العادلية

    قال ابن شداد: أول من أنشأها كمدرسة للشافعية وشرع في وضع أساسها ومحرابها بقرب الجاروخية بدمشق المقابلة لدار العقيقي هو: السلطان نور الدين محمود بن زنكي الملقب بالشهيد سنة 568 هجرية ـ 1171 ميلادية على غرار المدرسة النورية لدراسة مذهب الفقه الشافعي .. لكنه توفى قبل أن يتم بنائها .

    وقال أبو شامة في الروضتين في سنة ثمان وستين وخمسمائة: وفيها وصل الفقيه الإمام الكبير قطب الدين النيسابوري .. وهو فقيه عصره ونسيج وحده ، فسر نور الدين به ، وأنزله بحلب بمدرسة باب العراق ثم أطلقه إلى دمشق ، فدّرس بزاوية الجامع الأموي الغربية المعروفة بالشيخ نصر المقدسي ، ونزل بمدرسة الجاروخية .. وشرع نور الدين في إنشاء مدرسة كبيرة عظيمة للشافعية لفضله .. فأدركه الأجل دون إدراك عملها لأجله.
    فاستمرت كذلك إلى أن أزال الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب عام 612 هجرية ـ 1215 ميلادية ذلك البناء .. و أعاد بناء بعضها ... فأدركه الأجل هو الأخر دون إدراك عملها لأجله.



    وعاد مؤرخ المدارس الشيخ عبد القادر النعيمي بكتابه ( الدارس في تاريخ المدارس ) ليقول : أنها هي المدرسة العادلية الآن .. التي بناها الملك العادل أبو بكر بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين بن أيوب وفيها تربته .. وقد رأيت ( أي النعيمي ) ما كان بناه نور الدين ومن بعده منها .. وهو موضع المسجد والمحراب الآن .
    ثم لما بناها الملك العادل أزال تلك العمارة ثم توفي .... ولم تتم أيضاً .... ودفن بها بعد أن أحضر إلى صحن الجامع الأموي ، وصلى عليه الخطيب الدولعي .. وخرجوا به من باب الناطفائيين من الزحمة ونقل تابوت الملك لعادل إلى تربته .
    وألقى الدرس بمدرسته القاضي جمال الدين المصري ، وجلس الملك المعظم ( ابن الملك العادل ) ... وجلس المدرس عن يسار السلطان الجديد ... وعن يمينه شيخ الحنفية جمال الدين الحصيري .. ويليه فخر الدين ابن عساكر شيخ الشافعية .. ثم القاضي شمس الدين الشيرازي .. ثم محيي الدين بن الزكي .. وتحت المدرس السيف الآمدي .. ثم القاضي شمس الدين بن سني الدولة .. ثم نجم الدين خليل قاضي العسكر .. ودارت حلقة عظيمة .... والخلق ملء الإيوان .... وكان قبالة الملك المعظم في الحلقة تقي الدين بن الصلاح ... ولم تكن المدرسة كملت بعد ... وقد تكامل بناؤها في السنة التالية .



    فتمم و أكمل بنائها عام 619 للهجرة ـ 1222 للميلاد ابنه الملك المعظم ملك دمشق عيسى بن سيف الدين بن أبي بكر بعد وفاة أبيه. وأوقف عليها الأوقاف التي منها إلى الآن ( أي في العصر المملوكي ) جميع قرية الدريج ، وجميع قرية ركيس ، وجميع نكت قرية ينطا ، والباقي استولى عليه لتقادم العهد بعض أرباب الشوكة ... بطريق ما ... ودفن فيها والده ونسبها إليه انتهى.
    وقد سلط الشيخ شمس الدين محمد الذهبي الضوء على شخصية باني المدرسة الملك العادل سيف الدين ابن الأمير نجم الدين أيوب فقال في العبر في خبر من غبر :
    أنه في سنة خمس عشرة وستمائة : السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي ، ولد ببعلبك حال ولاية أبيه عليها ونشأ في خدمة نور الدين مع أبيه ، وكان أخوه صلاح الدين .. يستشيره .. ويعتمد عليه .. وعلى رأيه وعقله ودهائه .. ولم يكن أحد يتقدم عليه عنده .



    ثم انتقلت به الأحوال واستولى على الممالك وسلطن أبنائه على الديار المصرية ، والبلاد الشامية ، وعلى اليمن وكان مليكاً جليلاً .. سعيداً .. طويل العمر .. عميق الفكر .. بعيد الغور .. جماعاً للمال ، ذا حلم وسؤدد وبر كثير ، وكان يضرب المثل بكثرة أكله .... وله نصيب من صوم وصلاة ، ولم يكن محبباً إلى الرعية لمجيئه بعد الدولتين النورية والصلاحية .

    وقد أنجب الملك العادل الذي توفي عن خمس وسبعين سنة ، سبعة عشر ولداً تسلطن منهم وكان أشهرهم
    1. الملك الكامل محمد ابن سيف الدين بن أبي بكر بن أيوب ، ملك مصر
    2. والملك المعظم عيسى بن سيف الدين بن أبي بكر بن أيوب ملك دمشق ،
    3. الملك الأشرف موسى " مظفر الدين أبو الفتح " بن سيف الدين بن أبي بكر بن أيوب ملك الجزيرة وبلاد الأرمن وحران وخلاط ثم ملك دمشق
    4. والأوحد أيوب مات قبله
    5. والفائز إبراهيم،
    6. والمظفر غازي صاحب الرها،
    7. وشهاب الدين غازي صاحب ميافارقين وتوفي في سابع جمادى الآخرة وله بضع وسبعون سنة
    8. والعزيز عثمان وهو شقيق الملك المعظم وكان صاحب بانياس وتلك الحصون التي هناك وهو الذي بنى قلعة الصبيبة
    9. والأمجد حسن وهما شقيقا المعظم،
    10. والمقيت محمود،
    11. والحافظ أرسلان صاحب جعبر
    12. والصالح إسماعيل ملك دمشق ،
    13. والقاهر إسحاق،
    14. ومجير الدين يعقوب،
    15. وقطب الدين أحمد
    16. وخليل وكان أصغرهم
    17. وتقي الدين عباس وكان أخرهم وفاة ، بقي إلى سنة ستين وستمائة‏.‏


    وكان له بنات أشهرهن الست صفية خاتون زوجة الظاهر غازي صاحب حلب وأم الملك العزيز والد الناصر يوسف الذي ملك دمشق لاحقاً ، وإليه تنسب الناصريتان إحداهما داخل دمشق والأخرى بسفح جبل قاسيون وهو الذي قتله هولاكو اللعين .‏



    وكان العادل حليماً .. صفوحاً .. صبوراً على الأذى ، كثير الجهاد بنفسه ومع أخيه ، وحضر معه مواقفه كلها أو أكثرها في مقاتلة الفرنج ، وكانت له في ذلك اليد البيضاء ، وكان خيّراً وقد أنفق في عام الغلاء بمصر أموالاً كثيرة على الفقراء ، وتصدق على أهل الحاجة من أبناء الناس وغيرهم شيئاً كثيراً جداً ، ثم إنه كفل في العام الثاني من بعد عام الغلاء في الفناء مائة ألف إنسان من الغرباء والفقراء‏.‏

    وكان الملك العادل كثير الصدقة في أيام مرضه ، حتى كان يخلع جميع ما عليه ويتصدق به وبمركوبه ، وكان كثير الأكل ممتعاً بصحة وعافية مع كثرة صيامه ، كان يأكل في اليوم الواحد أكلات جيدة ، ثم بعد هذا يأكل وقت النوم رطلاً بالدمشقي من الحلوى السكرية اليابسة .



    وكان يعتريه مرض في أنفه في زمن الورد ( فصل الربيع ) وكان لا يقدر على الإقامة بدمشق حتى يفرغ زمن الورد ، فكان يضرب له الوطاق بمرج الصفر ، ثم يدخل البلد بعد ذلك‏ . توفى عن خمس وسبعين عاماً يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وستمائة بقرية عالقين .
    فحضر ولده المعظم إليه مسرعاً .. فجمع حواصله ..وأرسله في محفة ، ومعه خادم بصفة أن السلطان مريض ، وكلما جاء احدٌ للتسليم على السلطان يمنعه الطواشي عنه ، يعني لضعف السلطان عن الرد عليهم .
    فلما انتهى به إلى القلعة المنصورة ، ودفن في قلعة دمشق المحروسة ، ثم نقلت بدنه رملته من القلعة الى تربة المدرسة العادلية الكبرى ، المقابلة لدار العقيقي ، فصلي عليه أولاً تحت النسر بالجامع الأموي ، ثم جاؤوا به إلى التربة المذكورة ، فدفن بها ولم تكن المدرسة كملت بعد ، وقد تكامل بناؤها في السنة الآتية.



    والجدير بالذكر أن : ابنه الملك المعظم ملك دمشق " عيسى بن سيف الدين بن أبي بكر " كان مغرماً بأصول قواعد اللغة العربية وآدابها ، وأراد من خلال هذه المدرسة تحقيق أحلام أبيه بالإضافة إلى أحلامه وتجسيد أفكاره .
    فقسم المدرسة إلى قسمين: قسم اللغة العربية ، وقسماً آخر للفقه الإسلامي ، وقد تتلمذ الملك المعظم على يد أستاذه المعروف ( تاج الدين الكندي ) ، حيث نهل من نهر العلم على يديه ، واستقى المعارف الكثيرة ، وخرج بعدة مؤلفات منها كتاب " العروض " ، و "شرح الجامع الكبير" ، و " ديوان الشعر" ، و " كتاب في الرد على الخطيب البغدادي" .. وقد طبع هذا الكتاب في مصر عام 1315 ميلادية .



    كذلك انشأ الملك المعظم عدة مؤسسات علمية تخصصت بتعزيز كافة العلوم الطبيعية والآداب ونشرها، كالمؤسسة التي أنشأها في باب الرحمة في القدس الشريف والتي تعرف بـ«النصرية» نسبة للشيخ نصر المقدسي ثم عرفت بـ« الغزالية » نسبة إلى أبي حامد الغزالي ، ومدرسة أخرى للحنفية أقيمت عند باب المسجد المعروف بباب الديويدازية . كذلك بنا على آخر صحن الصخرة من جهة القبة مكاناً يسمى التمويه وذلك للاشتغال بعلم اللغة العربية وآدابها.



    وانشأ الملك المعظم أيضا المدرسة المعظمية نسبة إلى اسمه ( المعظم ) في أعالي سفح جبل قاسيون بصالحية دمشق ، و تضم قبره وقبور والدته وأولاده .
    الخارطة مأخوذة من مخطط الأماكن الأثرية المعروفة بين سنة 553 ـ 1153 هجرية لمدينة الصالحية التي وضعها العلامة الكبير محمد أحمد دهمان.
    قال الغزي الحلبي: المدرسة المعظمية والمدرسة العزيزية مجاورة لها ، أنشئت المدرسة المعظمية في سنة 621 للهجرة الموافق 1224 للميلاد ، وأنشئت المدرسة العزيزية في سنة 635 للهجرة الموافق 1237 للميلاد ، انشأ المدرسة المعظمية ملك دمشق الأيوبي ( المعظم عيسى بن الملك العادل ) نسبة إلى اسمه المعظم وتضم قبره وقبور أهله وأولاده .
    و ذكر الشيخ عبد القادر بن بدران في كتابه منادمة الأطلال و مسامرة الخيال أنه : لم يتيسر له الآن ( أي في سنة 1910 ) معرفة مكانها ... ولئن عرفته ألحقته هنا في الكتاب (منادمة الأطلال و مسامرة الخيال ).
    و أكد الدكتور أكرم حسن العلبي في كتابه خطط دمشق دراسة تاريخية شاملة أن الملك المعظم حين توفي دفن بالقلعة ، ثم نقل جثمانه فدفن بجانب أمه في المدرسة المعظمية بقاسيون جانب المدرسة العزيزية شمال العفيف جنوب المقبرة ، وكانت أم المعظم قد دفنت سنة 602 في قبة بنى عليها إبنها المعظم المدرسة المعظمية سنة 621 ، وقد إحتفظت المدرسة بوجودها حتى أواخر القرن التاسع عشر ، عندما أزيلت تماماً و دخلت قي البيوت مع أختها العزيزية .




    تعليق الباحث :
    درست المدرستان ( المعظمية و العزيزية ) منذ زمن بعيد ... ولم يعد لهما وجود ، وقد اختفت آثارهما و معالمهما عند الغزو العمراني لسفح قاسيون ، ولقد عثرت على صورة نادرة جداً .... للمدرستين ، تم تصويرها عام 1857 للميلاد بعدسة المصور فريث فرانسيس ( Frith Francis - Damas 1857 ) و تبدو جدران وقبة المعظمية على شفى الانهدام كما هو سقفها ، و حتى القبة و القبور التي تحتها تعرضت للهدم و تحولت إلى إسطبل للدواب ، و كذا العزيزية المتاخمة لطريق دير سمعان الظاهر في منتصف الصورة .... ثم ما لبثت أن اندرست معالمهما كلياً فيما بعد ، واختلست الأرض ، و صارت منازل و أبنية في منطقة الجادات بمنطقة شورى ولم يبق منهما أي أثر اليوم 2008 للميلاد .
    وتظهر بوضوح في يسار وأسفل الصورة : قبة تربة أمة اللطيف الحنبلي عند جادة العفيف ، كما تبرز بالعمق قليلاً مئذنة المدرسة الماردانية ( جامع الجسر البيض حاليا ) بنفس الجهة عند الجسر الأبيض ثم يمتد الحزام الأخضر الجميل ... حين كان يلف دمشق من جميع جوانبها ضمن الأشجار الكثيفة الممتدة حتى الأفق .



    درس بالمدرسة العادلية قطب الدين إلى أن توفي في الأيام الناصرية في سنة ثمان وسبعين ووقف كتبه على طلبة العلم ونقلت بعد بناء هذه المدرسة إليها ، ثم جاء بعده قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خليل الخويي وكانت وفاته في سنة ثلاث وعشرين وستمائة وكانت بقيت على ولده فوليها رفيع الدين الجيلي غصباً .
    ثم ذكر فيها الدرس القاضي كمال الدين عمر أبو حفص بن بندار ابن عمر التفليسي نيابة عن قاضي القضاة شهاب الدين الخويي ، ثم اشتغل بها كمال الدين المذكور إلى أن توجه إلى الديار المصرية .
    وقال ابن شداد: وذكر الدرس بها نجم الدين بن سني الدولة ثم بعده شمس الدين بن خلكان ثم من بعده قاضي القضاة بدمشق عز الدين محمد شرف الدين عبد القادر ابن الصائغ وهو مستمرٌ بها إلا الآن ( أي في عصر المؤرخ الدمشقي عبد القادر النعيمي ) انتهى



    سرد لنا الشيخ عبد القادر بن بدران رحمه الله رحمة واسعة ... عرضاً سريعاً في منادمته و مسامرته لأطلالها فقال :
    حكى ابن كثير في تاريخه إن العادلية خربت سنة أربع وسبعمائة ... ويظهر من كلامه أنها كانت قبلها معطلة ولم يكن أحد يحكم بها بعد واقعة قازان ( قبحه الله ) حيث انه خربها .



    ثم تابع ابن كثير في تاريخه : أنه في التاريخ المذكور سنة أربع وسبعمائة ُجددت عمارتها ... فعادت لها أيامها ... ثم انحطت عقب وقائع تيمورلنك ( لا جزاه الله خيراً أبدا ) ... فخلت من المدرسين ... وتناولتها أيدي المختلسين ... كما أشار إليه ابن قاضي شهبة فانه يقول : ومن وقائع تيمورلنك إلى زمنه يعني سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة لم يدرس بها أحد انتهى .



    وكان جملة من درس بها من قبل تسعة عشر مدرسا ... وانشأ الواقف بها مشيخة إقراء ونحو وليها جماعات من الفضلاء .
    ثم تقهقرت أحوالها إلى ما بعد الألف ، فتولاها بعض المدرسين .. ، ثم اشتهر الشيخ شهاب الدين احمد المنيني بالعلم والفضل ، فدرس بالسميساطية .. وجعل سكنه بها ... وبسبب كثرة مخالطته للكبراء وأرباب المناصب .. توجه عليه تدريس العادلية الكبرى ، وتولية السميساطية والعمرية .


    المدرسة العادلية و سكن السيد محمد أفندي المنيني في إحدى أجنحتها

    فانتقل إلى العادلية .. ولم يزل بها إلى أن توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف ( 1172 للهجرة الموافق 1758 للميلاد ـ إبان الفترة العثمانية و فترة حكم آل العظم للشام ) .
    فاستولى أولاده على المدارس الثلاثة المذكورة ، ثم انتقلت إلى أولادهم .... إلى زمن محمد أفندي المنيني مفتي دمشق .. فاستولى عليها كلها ، واتخذ العادلية بيتا للسكنى . وجعل مسجدها إسطبلا للدواب ..... وتصرف فيها ، وفي أوقاف المدارس الثلاثة .... كيفما شاء .. وشاء له الهوى .
    ثم مات فأكمل الاستيلاء ولده توفيق أفندي المنيني وبقيت إلى الآن ... أعني إلى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة بعد الألف ( 1327 للهجرة الموافق 1909 للميلاد ) تحت سيطرته ونفوذه .



    فأصاب المدرسة العادلية الخراب ... فتراجع أمرها .. وضاعت أوقافها .... و هجرها طلابها ... وكادت تنهار... وجعل مسجدها مخزنا لبيع الفحم .... واتخذ أعوانه ممن يعيشون من أكل أموال الأوقاف سلاحا للمدافعة عنها .... ليعينهم هو وشيعته على المدافعة عما اختلسوه من الأوقاف .

    : ?إن ربك لبالمرصاد? آية 89 / 14
    : ?ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون? آية 14 / 42



    وفي عام 1337 للهجرة الموافق 1919 للميلاد ، أعيد ترميمها .. و تجديد بنائها .. وأنشئ بالمدرسة العادلية الكبرى المتحف الوطني ، وكذلك أنشأ المجمع العلمي العربي الذي أسسه العلامة محمد كرد علي بعد الحرب العالمية الأولى ، ويعرف حاليا باسم مجمع اللغة العربية الجديد في غربي حي المالكي.

    وقد اقيم فيها المعرض الدمشقي الثاني الشهير بمعرض الصناعات الشرقية ، الذي أقيم في اجنحة المدرسة باليوم الثامن من شهر حزيران سنة 1928 للميلاد ، وكان معرضاً خاصاً بالصناعات الشرقية والآثار الشرقية الإسلامية القديمة من : معدنية و خشبية و زجاجية و نسيجية ، والأهم من هذا أنه كان معرضاً وطنياً محلياً خالصاً .. بل يغلب عليه الطابع الدمشقي .
    و قد حضر ممثل سلطة الانتداب الفرنسي على سوريا و كذلك وزير المعارف الأستاذ محمد كرد علي ( رئيس المجمع العلمي العربي ـ كما كان اسمه بالماضي ) و قد ألقى الأستاذ : ( محمد كرد علي ) كلمة رائعة في حقل الافتتاح أشاد بعرض الآثار الشرقية الإسلامية القديمة ، وبالصناعات الراقية مثل السجاد و النحاس و الأخشاب و الزجاج و الأسلحة و الجلود و المخطوطات و الصور و الأقمشة وكل ما هو من الفنون الجميلة . فكان مجموع من اشتركوا في هذا المعرض 68 عارضاً و عرض فيه 627 قطعة منوعة .



    أقول هنا وبعد زيارتي الميدانية لها في شتاء 2008 للميلاد للتحضير لهذا البحث ضمن أبحاث المدارس القديمة في دمشق : أن بناء المدرسة العادلية الكبرى يعتبر من أجمل فنون العمائر الأيوبية قاطبة من حيث التنظيم و التخطيط وهندسة شكل البناء ورصانته و تناسب أبعاده وبساطة زخارفه بالإضافة الى موقعها المميز في قلب العاصمة السورية دمشق .



    تتمتع المدرسة بواجهة حجرية عريضة ممتدة من محاذاة المدرسة و المكتبة الظاهرية ( أي من محاذاة قبة ضريح الملك العادل ) حتى نهاية الجادة و يبلغ ارتفاعها حوالي 9 امتار ، وهي مبنية من الحجارة الصماء الضخمة يتخللها نوافذ غرفة الدرس في الطابق الثاني و كذلك هو الحال عند مدخل المدرسة بوجود نوافذ علوية و سفلية على طرفي باب المدرسة .



    عند مدخل باب المدرسة يوجد لوحة رخامية مثبتة ما نصها :

    المدرسة العادلية
    مدرسة الملك العادل الأيوبي و تربته
    بنيتا سنة 619 هـ = 1222 م





    بوابة المدرسة غائرة عن مستوى الطريق بحدود خطوتين و تتمتع بزخارف جميلة من الحجارة المتداخلة التركيب يعلوها عقد حجري على شكل محراب خال من المقرنصات و العناصر التجميلية . وفي وسطه حجر مدلّى طوله بحدود المترين على طرفيه قوسان مفصصان ثلاثيان ، و فيه لوحة رخامية كتب في أعلاها ما نصه :

    أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ
    / 82 / سورة غافر

    المدرسة العادلية الكبرى تم إنشاؤها سنة 618 هجرية


    للباب إطار حجري بمداميك أبلقية مع إطار آخر ذي قوالب زخرفية محيط بالبوابة ويحوي زخارف هندسية أبلقية ( بيضاء و سوداء ) تمتد لنهاية الواجهة الشرقية المؤدية إلى دهليز المدرسة .



    الدهليز يطل على فسحة سماوية ، وهي في الحقيقة صحن المدرسة وهو مربع الشكل ، يبلغ أبعاده حوالي 18 متر طولا و 18 متر عرضا ، وكان مرصوفاً بالحجارة السوداء و البيضاء وقد تم إعادة تأهيله وترميمه مع البحرة المربعة الشكل في وسط الصحن أيضا بطول وعرض 6 أمتار ، كانت تتغذى على ساقية من نهر بانياس الواصلة الى الجامع الأموي .



    يحيط بالصحن غرف و قاعات كبيرة كانت تلقى بها الدروس ، و يلي ذلك قبة ضريح الملك العادل ( طيب الله ثراه ) بالزاوية الجنوبية الشرقية من المدرسة وبنيت من الأحجار الحديثة .
    تقوم قبة التربة المحمولة على قاعدة مثمنة من الخارج تحتها عقود جداريه و أربع زوايا بارزة مثلثة الشكل ، ومزينة بالزخارف والمقرنصات من الداخل ، تبرز على بعضها لتصغير قطر القبة ، ويلي الأقواس رقبة القبة .. وهي مؤلفة من شكل مثمن الأضلاع يحتل زاوية البناء مقرنصات ويتناوب معها أربع مجموعات من الشبابيك في كل منها شباكان.



    القبة مؤلفة من شكل مثمن الأضلاع يحتل زاوية بناء المدرسة مقرنصات ويتناوب معها أربع مجموعات من الشبابيك في كل منها شباكان.
    ثم تأتي كرة القبة وهي ليست نصف كروية وإنما متطاولة ذات مقطع مدبب ، للتربة شباكان يطلان على الشارع في الجدار الشرقي وآخران في الجدار الجنوبي ، بينهما محراب مماثل لمحراب المصلى ، وزينت زوايا الفناء بأركان من المقرنصات بينها أربعة مجاميع من النوافذ. وفي التربة نفسها محراب للصلاة.
    المصلى وهو قاعة مستطيلة، كانت مسقوفة بثلاثة أقبية متقاطعة مازالت آثارها باقية وفيها محراب مزين بمقرنصات تنتهي بصدفة. واجهته مؤلفة من باب عال في الوسط ، وعلى كل من جانبيه شباكان وكلاهما ينتهي بقوس مدبب. ويقابله في الجهة الشرقية إيوان صغير مفتوح على دهليز الباب الرئيسي للمدرسة. وعلى جانبه الشمالي توجد غرفة وعلى جانبه الجنوبي يوجد باب آخر للتربة.


    في شمال الصحن يقع ايوان المدرسة الكبير ومنه يؤدي إلى درج للطابق الثاني ، أما غرفة معلم المدرسة فتقع بالغرب ، فيما كانت غرف الطلاب تقع إلى الشرق .








    وهذه صورة عمومية في بداية القرن العشرين لمنطقة الكلاسة و تظهر فيها قبة المدرسة العادلية متاخمة لقبة المدرسة الظاهرية ، و تظهر بشكل جلي الرقبة الوحيدة للقبة ، يعلوها تكويرة القبة و تضم رفات الملك العادل .



    و يوجد بدمشق الشام شارع باسمه ( الملك العادل ) سيف الدين أبو بكر محمد ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي شارع باسمه تخليداً لذكراه اسمه شارع الملك العادل و يربط بين ساحتي الشهبندر ( ‏المزرعة ) و ساحة عين جالوت أمام مدينة الفيحاء الرياضية .

    إعداد عماد الأرمشي
    باحث تاريخي بالدراسات العربية والإسلامية لمدينة دمشق


    المراجع :
    ـ الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام و الجزيرة / الشيخ يوسف ابن شداد
    ـ الدارس في تاريخ المدارس / الشيخ عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي
    ـ تنبيه الطالب وإرشاد الدارس / عبد الباسط بن موسى العلموي الدمشقي
    ـ الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية / الشيخ ابو شامة
    ـ البداية و النهاية / أبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي
    ـ منادمة الأطلال و مسامرة الخيال / الشيخ عبد القادر بن بدران
    ـ خطط دمشق دراسة تاريخية شاملة / د . أكرم حسن العلبي
    ـ العبر في خبر من غبر / الشيخ شمس الدين محمد الذهبي
    ـ في رحاب دمشق / العلامة الشيخ محمد أحمد دهمان
    ـ خطط الشام / محمد كرد علي
    ـ موقع وزارة الثقافة السورية


    ـ مصدر الصور القديمة :
    *
    *
    *
    ـ موقع البروفسور مايكل غرينهلغ / الجامعة الوطنية الاسترالية
    Demetrius at the Australian National University Art Serve
    Professor Michael Greenhalgh
    Damascus (Syria) Adiliyya Madrasa, Exterior View of Facade with Entrance Portal. Photo Dated 1903. Closeup
    يظهر مدخل المدرسة العادلية في دمشق الى شمال الصورة في العام 1903 —


Working...
X