X

مدينة حلب السورية ,, تاريخها وآلامها - 2

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • أنيس
    Thread Author
    VIP
    • Sep 2018 
    • 1283 
    • 585 
    • 1,001 

    حلب عند اليونانيين

    وكان اسم حلب باليونانية " باروا " وقيل بيرؤا. وذكر ارسطاطاليس في كتاب الكيان: أنه لما خرج الاسكندر لقصد دارا الملك، ومقاتلته، كان ارسطاطاليس في صحبته، فوصل إلى حلب وهي تعرف بلسان اليونانية " بيرؤا " فلما تحقق ارسطوطاليس حال تربتها، وصحة هوائها، استأذن الإسكندر في المقام بها، وقال له: إن بي مرضاً باطناً، وهواء هذه البلدة موافق لشفائي. فأقام بها فزال مرضه.

    بناؤها في قديم الزمان

    وقيل: إن الذي بنى مدينة حلب أولاً ملك من ملوك الموصل يقال له: بلوكوس الموصلي. ويسميه اليونانيون: " سردينبلوس " . وكان أول ملكه في سنة ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسع وثمانين سنة لآدم صلوات الله عليه . وملك خمساً وأربعين سنة. وفي سنة تسع وعشرين من ملكه وهي سنة أربعة آلاف وثماني عشرة سنة لآدم، ملكت ابنته " أطوسا " ، المسماة " سميرم " مع أبيها بلوكوس.

    وذكر أبو الريحان البيروني في كتاب القانون المسعودي، وقال: بنيت حلب في أيام بلقورس من ملوك نينوى، وكان ملكه لمضي ثلاثة آلاف وتسعمائة واثنتين وستين سنة لآدم عليه السلام ومدة مقامه في الملك ثلاثون سنة.

    وشاهدت على ظهر كتاب عتيق من كتب الحلبيين بخط بعضهم: رأيت في القنطرة التي على باب أنطاكية، من مدينة حلب، في سنة عشرين وأربعمائة للهجرة كتابة باليونانية، فسألت عنها، فحكى لي أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الحسيني الحراني أيده الله، أن أبا أسامة الخطيب بحلب حكى له: أن أباه حدثه: أنه حضر مع أبي الصقر القبيصي، ومعهما رجل يقرأ باليونانية، فنسخوا هذه الكتابة وأنفذ إلي نسختها في رقعة وهي: " بنيت هذه المدينة، بناها صاحب الموصل، والطالع العقرب والمشتري فيه، وعطارد يليه، ولله الحمد كثيرا " .

    وهذا يدل على ما ذكرناه، وهو أن بلوكوس الموصلي هو الذي عمرها. وكان قبل الاسكندر.

    وذكر يحيى بن جرير التكريتي في كتاب له ضمنه أوقات بناء المدن، ما يدل على أن حلب بعد بناء بلوكوس خربت، وجدد عمارتها غيره، بعد موت الاسكندر فإنه قال بعد ذكر دولة الاسكندر وموته باثنتي عشرة سنة بنى سلوقوس اللاذقية، وسلوقية وأفامية، وبارؤا وهي حلب، واداسا وهي الرها، وكمل بناء أنطاكية وزخرفها وسماها على اسم ولده انطيوخوس وهي أنطاكية وكان شرع في بنائها قبله أنطيغنوس في السنة السادسة من موت الاسكندر . وذكر أنه بناها على نهر أورنطس وسماها: ا نطوغينا.

    وقال: كان الملك الأول على سوريا، وبابل، " سلوقوس نيقطور " وهو سرياني، وملك في السنة الثالثة عشرة لبطلميوس بن لاغوس، بعد موت الاسكندر، وألزم اليهود أن يقيموا في المدن التي بناها وقرر عليهم الجزية.

    وسوريا هي الشام الأولى وهي: حلب وما حولها من البلاد على ما ذكره بعض الرواة وفي طرف بلد حلب، بناحية الأحص، مدينة عظيمة داثرة، وبها آثار قديمة، يقال لها سورية وإليها ينسب القلى السورياني، فلعل الناحية كلها ينسب إليها، ويطلق عليها اسمها، كما أطلق بعد ذلك على جميع الكورة اسم قنسرين .

    وقال بعض المؤرخين من المسيحية: الذي ملك بعد الاسكندر بطلميوس الأريب وهو الذي بنى مدينة حلب، وسماها " أشمونيت " . وذلك أنه اختار بناء المدينة في موضع، وأراد أن يكون بها الماء، فخرج ودار حولها، حتى رأى الأعين التي " بحيلان " ، فأمر المهندس أن يبني عليهن بناء، ويحكمه، وأن يجريهن إلى المكان الذي هو مرسوم بمنزلة الملك. وجمع الناس للعمل في عمارة المدينة، فاحتفر في وسط المدينة حفيرة بثقها إلى النهر الذي أجراه، وأمر بالقساطل أن تعمل فاختفت، فاتخذت من الحجارة، فتم ما أراد وبنى له بناء في موضع الريحانيين يومنا هذا، واتخذ عليه قصراً، وبنى المدينة. وآخر ما بناه " باب أنطاكية " ورتب فيها ابنته " أشمونيت " ، وسمى المدينة باسمها وأضاف لها جنداً وزوجها " بإيلياوس " ، أحد أبناء ملوكهم، وكان قائد جيش الأريب، وصار إلى أنطاكية، وليست من بناء اليونان فإن رسمها قديم، فتمم بناءها، وأضافها إلى إيلياوس زوج أشمونيت.

    حكامها من اليونان

    وملك الأريب تسعاً وعشرين سنة. وملك بعده ابنه بطلميوس، ولفب باليونانية: " محب أخيه " ، وكانت أخته أشمونيت نائبة عنه، فبقي في الملك ستاً وعشرين سنة. وملك بعده ابنه بطلميوس الاورجاتس ولقب باليونانية بالفاعل فبقي في الملك أربعاً وعشرين سنة. وملك بعده بطلميوس فليفاطر ولقب باليونانية محب أبيه، وأشمونيت وزوجها وولدها يتولون حلب. وملك بعده " بطلميوس محب أمه " وهو ابن أشمونيت وكان ينزل حلب، وعمر على صخرتها قلعة، وحضنها، فخرج عليه في آخر أيامه " أنطياخوس " ملك الروم، واستنجد عليه فلم يكن لمحب أمه به طاقه، فخرج عنها مع أمه، فأسرهما أنطياخوس، وعذبهما، واستصفى أموالهما، وشرع في هدم ما جددت أشمونيت من بناء حلب. فقيل له إن الذي يفعله ليس من عادة الملوك، فكف عن هدمها، وتوعد من يسكن بحلب، فصار الناس إلى غيرها. وعاد إلى أنطاكية فاستحدث بها أبنية لنفسه. فلذلك يزعم قوم أن أنطاكية من بنائه، وليس الأمر كذلك، وإنما له فيها مثل ما لبطلميوس الأريب من التتميم.

    ويقال: إن أشمونيت وهي حلب تجاوزت عمارتها ما رسمه الأريب، حتى صارت العمارة إلى جميع الجوانب. وقيل: إن أشمونيت نصبت حواليها مائة آلف نصبة من الزيتون، ومن التين مائة آلف نصبة وغير ذلك من الأشجار الجبلية الشامية. ولم يبق بحلب موضع يتسب إلى أشمونيت غير العين المعروفة بأشمونيت. وماتت أشمونيت وولدها في أسر أنطياخوس تحت العقاب.

    وقيل هو الذي بنى قنسرين، وأجرى الماء إليها في قناة من عين المباركة.

    وقيل: بناها غيره. وعرف أنطياخوس ببطلميوس الرابع.

    وقيل: إن أشمونيت حال محاربتها أنطياخوس أتتها نجدة من مصر، فهزمته فصار إلى الشرق فمات.

    ثم ملك حلب بعد أشمونيت أبطلميوس ابيفانيس " وهو قائد العسكر، وفي زمانه اشترت اليهود منه موضع القلعة المعروفة اليوم بقلعة الشريف فتحصنوا بها، وكانوا يعينون الملك في القتال ويحملون له الأموال.

    ثم ملك بعده بطلميوس فيلوبطر، وهلك انطياخوس في أيامه.

    حكامها من الرومان

    ثم ملك بعده جماعة من ملوك اليونان، إلى أن صار الملك إلى القياصرة ملوك الروم فملك منهم عدة ملوك إلى أن ملك أوغسطس قيصر بن مويوخس، فاستولى على الدنيا، وقهر الملوك، وقصد مضر ليستولي عليها، فلما بلغ حلب وكان أمره قد عظم، قال: إن بطلميوس الأريب لم يرض أن ينزل منزلاً لغيره. فسار إلى موضع مدينة قنسرين فأمر القواد أن يأمروا من قبلهم بتحويط منازلهم، وأخذ كل واحد ببناء ما حوطه، فبنى قنسرين وسماهما " مدينة العسكر " . ونقل الأسواق من حلب إليها، ولم يبق بحلب إلا من لا حاجة للعسكر به. وكانت هذه أعظم من فعل انطياخوس. وقيل: إنه أمر أن ينفق على القناة إليها فأنفق نائبه مالاً على القناة، وأجرى الماء فيها من عين المباركة، وساقها إلى القناطر إلى قنسرين، وبنى بها ثلاثة برك على شكل المثلث، وفايضها ينحدر إلى الأرضين التي تحتها.

    وصار الملك بعده إلى جماعة من القياصرة ملوك الروم. وصارت أنطاكية دار الملك، وبها مقام ملوك الروم، وكانوا يدعونها مدينة الله، ومدينة الملك، وأم المدن، لأنها أول بلد ظهر فيه دين النصرانية. ومعظم سور مدينة حلب من بناء الروم. وملك منهم ملك يقال له: فوقاس فسفك الدماء،

    حلب في ظل الفرس

    تتبع فوقاس حاشية كسرى ملك الفرس وأتباعه بالمنطقة ، فقتلهم ، فتوجه كسرى أنوشروان إلى الشام فافتتح حلب، وأنطاكية، ومنبج، ورمم ما استهدم من سور مدينة حلب بالقرميد الكبار، وهو ظاهر في سور المدينة الكبير، فيما بين بابي اليهود والجنان. وجدد كسرى بناء منبج وسماها منبه، وهو بالفارسية: أنا أجود، فعربت فقيل منبج. واستحسن أنطاكية فلما عاد إلى العراق بنى مدينة على صورتها، وسماها ردحسره، وهي التي تسمى رومية، وأدخل إليها سبي أنطاكية. فقيل إنهم لم ينكروا من منازلهم شيئاً فانطلقوا إليها إلا رجل اسكاف، كان على باب داره بأنطاكية شجرة فرصاد، فلم يرها على بابه ذلك، فتحير ساعة،؟ ثم دخل الدار، فوجدها مثل داره. ولما عاد كسرى عن الشام، قام هرقل بن فوق بن مروقس وجمع بطارقة الروم، وأولي المراتب، وذكر لهم سوء آثار فوقاس ملك الروم " وغلبة الفرس على ملكهم بسوء تدبيره، وإقدامه على الدماء، ودعاهم إلى قتله فقتلوه، ووقع اختيارهم على هرقل فملكوه.

    وفي أول سنة من ملكه كانت هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، واستولى على حلب، وعلى جميع البلاد، التي استولى عليها أنو شروان وكان جل مقامه بأنطاكية.





    من كتاب : زبدة الحلب في تاريخ حلب



Working...
X