X

تحليل قضية في القانون البحري البحريني

مُسْتَشارُكَ القّانُونيْ

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • إستشارة قانونية
    Thread Author
    استشارات قانونية
    • Sep 2018 
    • 6414 

    دراسة قضية وفقا للقانون البحري البحريني

    بقلم المحامية البحرينية: حميدة محمد القيسي



    تتعرض جميع البضائع المشحونة للمخاطر، أيا كانت طريقة النقل المتبعة، برية كانت أم جوية أم بحرية(1)، وذلك بالرغم من التطور التكنولوجي الذي شمل تقنيات الشحن للمحافظة على هذه البضائع. وبالنظر للمدة الزمنية الطويلة التي تستغرقها الرحلة البحرية، فإن المخاطر التي تتعرض لها البضائع المشحونة بحرا أكثر بكثير من البضائع المشحونة بطرق أخرى.

    ولقد تطور التأمين البحري بحث أصبح من غير المألوف أن تكون هناك بضاعة مشحونة غير مشمولة بغطاء تأميني. على أن التأمين البحري قد يمتد ليشمل السفينة ذاتها.

    وبطبيعة الحال، فإن النزاع قد يثور بين المؤمن والمؤمن له أو غيره من الأطراف، كما هو شأن أي علاقة قانونية.

    وقد عُرض أمام القضاء البحريني نزاع بين إحدى شركات التأمين مع الناقل البحري، وقد انتهت هذه القضية إلى محكمة التمييز التي تولت الفصل فيها بالجلسة المعنقدة علنا بتاريخ 25/10/2004، وتحمل الطعن رقم 2 لسنة 2004. وأتناول، في هذا البحث، تحليلا لوقائع هذه القضية، ومناقشة لبعض ما تثيره من مسائل، وذلك كالتالي:



    نص الحكم الصادر في الطعن رقم 2 / 2004:





    الطاعــــن: الوكالة......



    المطعونضدها: الشركة......



    بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.

    حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

    وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت على الطاعنة الدعوى رقم 6424/2002 أمام المحكمة الصغرى المدنية بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي لها مبلغ 62ر713 دينار وفوائده فضلا عن الرسوم والمصاريف على سند حاصله إنه بموجب سند شحن مؤرخ في 4/8/2001 التزمت الطاعنة بنقل عدد 553 كرتونه من المشروبات من ميناء الاسابيزيا بإيطاليا إلى البحرين على متن السفينة أم أس سي ساندرا لصالح شركة .....والتي قامت بالتأمين على الشحنة لديها ، وعند فتح الحاوية بتاريخ 2/9/2001 بعد وصول السفينة في 25/8/2001 وبحضور مسئولي إدارة المواني تبين فقد عدد 109 كرتونه وكسر عدد تسعة زجاجات ونفاذاً لعقد التأمين قامت بسداد للشركة المؤمن لها المبلغ المذكور وهو يمثل قيمة الفاقد والتالف من الشحنة فضلا عن أجور التأمين وغير ذلك وقد حلت محلها فيما لها من حقوق قبل الطاعنة ، وإذ طالبتها بأداء هذه المبالغ فرفضت ومن ثم أقامت الدعوى . أجابت المحكمة المطعون ضدها إلى طلبها بحكم استأنفته الطاعنة بالاستئناف رقم 827/2003 أمام المحكمة الكبرى المدنية بصفة استئنافية والتي حكمت بتأييد الحكم المستأنف . فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق التمييز وأودع المكتب الفني مذكرة برأيه في الطعن .

    وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى بها الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال وبيانا لذلك تقول إنها تمسكت بدفاع حاصله أن البضاعة التي تعهدت بنقلها كانت موضوعه داخل حاوية مغلقة بمعرفة الشاحن وأن سند الشحن قد تضمن تحفظا واضحاً من جانبها مفاده أنها لم تتحقق من كشوف الشاحنين ، وأن الشاحن هو المسئول عن أي نقص في البضاعة يظهر في جهة الوصول في حالة تفريغ الحاوية بذات الختم المذكور في بوليصة الشحن ، وأنه ولدى تفريغ الحاوية في ميناء الوصول وبنفس الختم الموضح في البوليصة تبين أن عدد الكراتين 444 كرتونه وليس كما ذكر الشاحن 553 كرتونه ومن ثم فإن الشاحن يكون هو المسئول عن ذلك إعمالا للتحفظ المذكور إلا أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع وألزمها بالمبلغ الذي تطالب به لما ذهب إليه أن التزامها هو التزام بتحقيق نتيجة وهي نقل الشحنة وتسليمها سالمة وبأن مسئوليتها لا ترتفع إلا إذا تحقق أحد الأسباب الواردة في المادة 159 من القانون البحري مع أن شرط أعمال هذا النص هو أن يكون الشاحن قد قدم للناقل كتابا بالبيانات المتعلقه بالبضائع طبقاً للمادة 148 من القانون المذكور وإذ لم يقدم الشاحن هذا البيان وثبت تحقق الشرط الوارد بالتحفظ المشار إليه فإن الحكم إذ التفت عما ورد به يكون معيباً بما يستوجب نقضه .

    وحيث إن هذا النعي في جملته في محله ذلك أنه ولئن كان سند الشحن حجة بما ورد به من بيانات تتعلق بالبضاعة إلى أن يثبت العكس غير أنه إذا تضمن تحفظا من جانب الناقل إذا قامت لديه أسباب جدية تحمل على الشك في صحة بيانات الشاحن أو إذا لم تتوافر لديه الوسائل العادية للتحقق منها فإن من شأن هذا التحفظ أن يقوض حجية سند الشحن فيما يتعلق بوزن البضاعة أو عددها أو كميتها أو حالتها ويقع على المرسل إليه عبء إثبات وزن البضاعة الحقيقي أو عددها أو حالتها عند الشحن وبأن العجز أو التلف ناشئ عن خطأ الناقل أو تابعيه وذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها القرائن لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن البضاعة التي تعهدت الطاعنة بنقلها كانت داخل حاوية مغلقة وأن سند الشحن قد تضمن تحفظا من جانبها مفاده أنها لم تتحقق من كشوف الشاحن وأن الشاحن هو المسئول عن أي نقص في البضاعة يظهر في جهة الوصول في حالة تفريغ الحاوية بذات الختم الوارد في بوليصة الشحن وكان يبين من كتاب السيد / مدير عام الموانئ المرفق بالأوراق أنه عند فتح الحاوية وتفريغها بذات الختم الوارد في البوليصة وجد بها نقص عدد 109 كرتونه ومن ثم فإنه يكون على المطعون ضدها أن تثبت أن عدد الكراتين الوارد بسند الشحن مطابق لما ذكرته وبأن النقص والتلف الوارد بها مرجعه خطأ الطاعنة أو أحد تابعيها وإذ خلت الأوراق مما يفيد ذلك كما لم تطلب المطعون ضدها من المحكمة تمكينها من إثبات ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أجابها إلى طلبها وألزم الطاعنة بالمبلغ المطالب به يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يعيبه ويوجب نقضه .

    وحيث إنه عن المصاريف فتلزم المحكمة بها المطعون ضدها.

    وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، يتعين إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى مع إلزام المستأنف ضدها مصاريف التقاضي عن الدرجتين ومبلغ عشرين ديناراً مقابل أتعاب المحاماة.



    أولا: الوقائع:

    تتحصل الوقائع أنه في الرابع من آب/أغسطس من العام 2001 أبرمت (الوكالة........) عقد نقل بحري مع الشاحن، وقد التزمت بموجبه أن تنقل لصالح شركة جلف سيلار عدد 553 كرتونه من المشروبات من ميناء الاسابيزيا في إيطاليا إلى البحرين، وقامت شركة ......(المرسل إليه) بالتأمين على الشحنة لدى الشركة البحرينية الكويتية للتأمين.

    ولما وصلت السفينة إلى البحرين ـ ميناء الوصول ـ بتاريخ 25/8/2001، وتم فتح الحاوية في الثاني من سبتمبر 2001 وذلك بحضور مسئولي إدارة الموانئ، تبين فقد عدد 109 كرتونه وكسر عدد تسع زجاجات. ونفاذا لعقد التأمين على البضاعة، قامت الشركة البحرينية الكويتية للتأمين بسداد مبلغ 713.62 دينار لشركة جلف سيلار، حيث تمثل هذه المبالغ قيمة المفقود والتالف من الشحنة فضلا عن أجور التأمين، وذلك وفق المادة 287 من القانون البحري البحريني.

    وقد حلّ المؤمن (الشركة ......) محل شركة........فيما لها من حقوق في مواجهة الناقل (الوكالة ......).

    وقد طالب المؤمن (الشركة .........) الناقل البحري (الوكالة ........) بأداء هذه المبالغ فرفض، فأقامت شركة التأمين ضد الناقل البحري دعوى أمام المحكمة الصغرى المدنية برقم 6424/2002، وقد أجابت هذه المحكمة المدعية (الشركة ........) إلى طلبها وذلك استنادا إلى أن المدعى عليها وهي الناقلة (الوكالة....) قد نفذت التزامها بنقل البضاعة تنفيذا معيبا ولم تحقق النتيجة المطلوبة منها بموجب هذا الالتزام وهي تسليم البضاعة سالمة إلى المنقول إليه، ولما كان الأخير قد أمّن على البضاعة لدى المؤمن (الشركة ..........) فإنه يحل محل المنقول إليه في له من حقوق في مواجهة الناقل البحري.

    لم تقبل المدعى عليها (الوكالة .........) الحكم الابتدائي الصادر ضدها، واستأنفته أمام المحكمة الكبرى ـ بصفتها الاستئنافية ـ بالاستئناف رقم 827/2003، وقد تمسكت المستأنفة بأن سند الشحن قد تضمن تحفظا واضحا من جانبها أنها لم تتحقق من كشوف الشاحن وأن هذا الأخير هو المسئول عن كمية البضاعة وحالتها، إلا أن المحكمة لم تأخذ بهذا الدفع، وانتهت إلى أن هذه الحالة ليست من بين الحالات الواردة في المادة 159 من القانون البحري والتي ترتفع فيها المسئولية عن الناقل البحري، وقد أورد المشرع هذه الحالات على سبيل الحصر، وانتهت بذلك إلى تأييد الحكم المستأنف.

    لم ترتضِ المستأنفة (الوكالة ............) هذا الحكم وطعنت فيه بطريق التمييز وقدمت مجموعة من الأسباب، أعرضها بشيء من التفصيل.



    ثانيا: أسباب الطعن:

    لقد تقدمت الطاعنة (الوكالة ........) بمجموعة من الأسباب ترمي من ورائها تفنيد مسئوليتها عن الوفاء للمطعون ضدها (الشركة ............)، حيث تنعى الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال، وذلك على سند من القول أنه عند إبرام عقد النقل البحري (سند الشحن) مع الشاحن، ضمنت الطاعنة ـ الناقلة ـ شرطا يفيد أنها لم تتحقق من صحة البيانات التي أوردها الشاحن في سند الشحن، وأن الشاحن هو المسئول عن مدى صحة هذه البيانات.

    وحيث أن البضاعة قد وضعت في حاوية مغلقة بمعرفة الشاحن، فإنها تكون غير مسئولة عن جميع ما يتعلق بهذه البضاعة من عددها وكميتها وحالتها، وكذلك أي نقص أو تلف قد يظهر عند فتح الحاوية في ميناء الوصول (البحرين).

    وأنه عندما وصلت السفينة موانئ البحرين وتم فتح الحاوية اتضح عدد الكراتين الموجودة بها هي 444 كرتونه فقط وليس كما ذكر الشاحن بأنها 553 كرتونه، فإنه وإعمالا للتحفظ المنصوص عليه لصالح الطاعنة (الوكالة الأهلية للبواخر) فإنها تكون غير مسئولة عن هذا النقص، وتقع المسئولية على عاتق الشاحن.

    وقد تمسكت الطاعنة بهذا الدفاع أمام المحكمة الاستئنافية، إلا أنها التفت عنه وألزمتها المبالغ المطالب بها استنادا إلى عدم تحقق أي من حالات إعفاء الناقل من المسئولية الواردة بالمادة 159 من القانون البحري، في حين أنه لا يجوز إعمال هذا النص إلا إذا تحقق الشرط الوارد بالمادة 148 من ذات القانون والتي تنص على أن " يقدم الشاحن كتابة البيانات المتعلقة بالبضائع قبل الشحن، وتقيد هذه البيانات في سند الشحن. وللناقل أو من ينوب عنه الامتناع عن قيد البيانات المتعلقة بعلامات البضائع أو عددها أو كميتها أو وزنها إذا كانت لديه أسباب جدية للشك في صحتها أو لم تكن لديه الوسائل العادية للتحقق منها. ويكون الشاحن مسئولا قبل الناقل عن تعويض الضرر المترتب على عدم صحة البيانات التي قدمها عن البضائع، ولا يجوز للناقل التمسك بعدم صحة البيانات المذكورة في سند الشحن قبل أي شخص آخر غير الشاحن إلا إذا كان قد تحفظ في شأن هذه البيانات في سند الشحن".

    وحيث أن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا النص، وطبق نص المادة 159 من القانون البحري الذي لا يمكن تطبيقه في هذه الدعوى لعدم توافر شروط، فإن الحكم الاستئنافي يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، إلى جانب الفساد في الاستدلال(1).



    ثالثا: حكم محكمة التمييز:

    لقد انتهت محكمة التمييز، وهي في معرض ردها على النعي الذي أثارته الطاعن، إلى صحة هذا الطعن، وذلك إعمالا لنص المادة 148 من القانون البحري بشكل أساسي، على التفصيل التالي:

    حيث أن المبدأ هو أن التزام الناقل البحري بنقل الشحنة هو التزام بتحقيق غاية أو نتيجة وهي تسليم البضاعة إلى المرسل إليه أو نائبه في الميعاد المقرر في سند الشحن، وذلك هو مفاد المادة 144 من القانون البحري.(2)

    وحيث أن هذا السند هو حجة بما ورد فيه من بيانات فيما بين طرفيه وأمام الغير، إلا أن إضافة شرط من جانب الناقل مفاده أنه لم يتحقق من كشوف الشاحن، فإن من شأن هذا التحفظ تقويض حجية هذا السند في مواجهة الناقل. حيث أن الأخير يكون بذلك قد ألقى المسئولية على عاتق الشاحن، ويقع على المرسل إليه أو من يحل محله أن يثبت خطأ الناقل البحري بكافة طرق الإثبات باعتبار أن الخطأ واقعة مادية.

    وتطبيقا لذلك، فإن الطاعنة (الوكالة .............) وهي الناقل البحري عندما أوردت تحفظا في سند الشحن تكون قد أعفت نفسها من المسئولية عن عدد البضاعة أو وزنها أو حالتها، إلى جانب أنه لم يكن بوسعها التحقق من صحة البيانات التي ذكرها الشاحن في عقد النقل البحري (أو سند الشحن) لأن الشحنة وضعت في حاوية مغلقة وبمعرفة الشاحن نفسه، فإنه يكون هو المسئول عن هذه حالة البضاعة وعددها ووزنها.

    وبحسب القرار التمييزي، فإن مسئولية الطاعنة ـ في هذه الحالة ـ لا تقوم إلا إذا أثبتت المطعون ضدها مسئولية الطاعنة (الناقل البحري) عن النقص الذي ظهر في البضاعة، وحيث أن المطعون ضدها (الشركة ............) لم تثبت ذلك، ولم تطلب من المحكمة تمكينها من إثباته.

    وبذلك انتهى القرار التمييزي إلى نقض الحكم المطعون فيه الذي أيد الحكم الابتدائي فيما قرره من إلزام الطاعنة (الوكالة..........) ورفض الدعوى مع إلزام المستأنف ضدها المصاريف عن الدرجتين الأولى والثانية.



    ثالثا: التعليق على الحكم:

    تتلخص المشكلة في هذه الدعوى، في أن المرسل إليه وهي شركة جلف سيلار قد أمّنت على الشحنة، التي ستنقل إليها بحراً، لدى (الشركة ........)، على اعتبار أن المرسل إليه (شركة ..........) تتحقق لها مصلحة مباشرة في عدم حصول ضرر بالشحنة، وهذا هو مفاد المادة 238 من القانون البحري والتي تنص على أنه "يجوز التأمين على جميع الأموال التي تكون معرضة لأخطار وهي في البحر، ولا يجوز أن يكون طرفا في عقد التأمين أو مستفيدا منه إلا من كانت له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في عدم حصول الخطر".

    وهذا التأمين هو تأمين على البضاعة المشحونة وليس على السفينة(1)، وقد نظم المشرع البحريني التأمين على البضائع في المواد 285 وحتى المادة 292 من القانون البحري البحريني.

    ووفقاً للمادة 286 من هذا القانون، فإن عقد التأمين يشمل البضاعة دون انقطاع وفي أي مكان تتواجد فيه أثناء الرحلة كما يحدد ذلك طرفا عقد التأمين. وعلى ذلك، فإنه عندما ظهر نقص في البضاعة المشحونة عند فتح الحاوية في ميناء الوصول (البحرين) فإن المؤمن يكون مسئولا عن تعويض المؤمن له (شركة ..........) عن الخسارة التي لحقته جراء هذا التلف.

    على أن مبلغ التأمين لا يزيد على السعر العادي للبضاعة في مكان الشحن وزمانه ويضاف إلى هذا المبلغ مصاريف نقلها إلى ميناء الوصول والربح المتوقع (المادة 287 من القانون البحري). إلا أن المؤمن لا يدفع للمؤمن له إلا قيمة الخسارة التي تقدر بالفرق بين قيمة البضاعة تالفة وقيمتها سليمة وذلك وفق المادة 288 من القانون البحري والتي تنص على أن "تقدر الخسائر التي أصابت بالفرق بين قيمتها تالفة وقيمتها سليمة في زمان ومكان واحد وتطبق نسبة نقص القيمة على مبلغ التأمين". وبالتالي، فقد التزم المؤمن، في هذه الدعوى، وهي (الشركة البحرينية الكويتية للتأمين) بدفع مبلغ 713.62 دينار للمؤمن له (شركة جلف سيلار).

    وبموجب المادة 265 من القانون البحري يحل المؤمن (الشركة ..........) محل المؤمن له (شركة ......) فيما له من حقوق في مواجهة الناقل (الوكالة .......). وهو حلول قانوني،(1) حيث نصت المادة 317 من القانون المدني أنه: "إذا قام بالوفاء شخص غير المدين، حل الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال الآتية:

    د) إذا كان هناك نص خاص يقرر للموفي حق الحلول."

    وبالفعل فقد قرر المشرع البحري ذلك صراحة في المادة 265 حيث نص على أنه " تنتقل إلى المؤمن جميع الحقوق التي نشأت بمناسبة الأضرار المشمولة بالتأمين وذلك في حدود التعويض الذي دفعه ومنذ اليوم الذي تم فيه هذا الدفع".

    بيد أن الأمر اختلف في هذه الدعوى، وتوصلت المحكمة إلى عدم مسئولية الناقل البحري عن هذه الخسارة. ولمزيد من التوضيح، يستلزم الأمر الإجابة على الأسئلة التالية:

    السؤال الأول: ما مدى حجية سند الشحن؟

    السؤال الثاني: متى تثور مسئولية الناقل البحري، ومتى تنتفي؟

    السؤال الثالث: هل يمكن أن تكون الطاعنة مسئولة في مواجهة المطعون ضدها؟







    السؤال الأول: ما مدى حجية سند الشحن؟

    بداءة أجد أنه من المناسب، قبل التعرض لحجية سند الشحن، أن أتعرض لتعريفه أولا.

    وسند الشحن(1) هو الوثيقة التي تثبت عقد النقل البحري (المادة 145 من القانون البحري)، فهو عبارة عن وثيقة في شكل مطبوع تبين فيه أوصاف البضاعة المشحونة، والشروط التي يتم بموجبها التسليم وزمانه ومكانه.

    وبالتالي، فإن عملية الشحن هي تنفيذ لعقد النقل البحري(2)، وقد تناول المشرع البحريني في المادة 144 من القانون البحري تعريف عقد النقل البحري بأنه "عقد النقل البحري عقد يتعهد بمقتضاه الناقل سواء كان مالك السفينة أو مجهزها أو مستأجرها بنقل بضائع في السفينة إلى ميناء معين مقابل اجر".

    ويتضمن سند الشحن مجموعة من البيانات نصت عليها المادة 145 من القانون البحري قائلة "ويذكر في سند الشحن اسم كل من الناقل والشاحن والمرسل إليه وموطن كل منهم وصفات البضائع وعلى الخصوص عدد الطرود أو القطع أو الكمية أو الوزن على حسب الأحوال طبقا للبيانات التي يقدمها الشاحن وعلامات البضائع وحالتها وشكلها الظاهر وميناء القيام وميناء الوصول واسم السفينة وحمولتها وجنسيتها واسم الربان ومقدار أجرة النقل وكيفية حسابها ومكان إصدار السند وعدد النسخ التي حررت منه. ويجب أن تكون العلامات الموضوعة على البضائع كافية لتعيينها وان توضع بحيث تبقى قراءتها ممكنة حتى نهاية الرحلة".

    وبالتالي، فإن الشاحن هو الملزم بتقديم بيانات البضاعة للناقل، وهذا هو عين ما نصت عليه المادة 148 من القانون البحري "يقدم الشاحن كتابة البيانات المتعلقة بالبضائع قبل الشحن، وتقيد هذه البيانات في سند الشحن...".

    ويتمتع سند الشحن بحجية فيما بين طرفيه (الشاحن والناقل) وذلك في إثبات ما ورد فيه من شروط وبيانات، على أن هذه الحجية نسبية ويمكن إثبات عكس ما ورد فيه فيما بين الشاحن والناقل البحري (حكم المادة 152/1 بحري).

    وعليه، فإن الأصل أن الناقل يجب أن يلتزم بتسليم البضاعة كما ورد ذكرها من حيث العدد والكمية والوزن وغير ذلك في سند الشحن. بيد أن المشرع أجاز للناقل البحري أن يضيف في سند الشحن شرطا يفيد تحفظه على هذه البيانات، وذلك لعدم تحققه من كشوف الشاحن أو عدم تمكنه من التأكد من البضاعة بالطرق العادية، وهذا هو مفاد الشطر الثاني من المادة 148 من القانون البحري "ولا يجوز للناقل التمسك بعدم صحة البيانات المذكورة في سند الشحن قبل أي شخص آخر غير الشاحن إلا إذا كان قد تحفظ في شأن هذه البيانات في سند الشحن". ويكون لهذا التحفظ حجية في مواجهة الغير، كما يكون الشاحن ضامناً في مواجهة الناقل البحري عن صحة هذه البيانات التي أوردها في سند الشحن.

    وتطبيقا لذلك، فإن الناقلة البحرية (الوكالة ........) ارتفعت مسئوليتها عن صحة هذه البيانات، وألقت ـ بهذا التحفظ ـ بتبعية الخسارة أو الضرر على عاتق الشاحن. وهذا هو ما توصلت إليه محكمة التمييز.

    السؤال الثاني:متى تثور مسئولية الناقل البحري ومتى تنتفي؟

    يلتزم الناقل البحري بنقل البضاعة وتسليمها سليمة إلى المرسل إليه أو من ينوب عنه وذلك بحالتها التي وردت في سند الشحن وفي الميعاد والمكان المتفق عليهما، وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق نتيجة أو غاية. وبمجرد تخلف هذه الغاية، بأن وصلت البضاعة تالفة أو ناقصة، فإن الناقل البحري يكون مسئولا عن وفاء قيمة هذه الخسارة للمرسل إليه أو من يحل محله.

    ولا جرم أن الأخذ بذلك يقتضي أن تكون الطاعنة (الوكالة ..........) مسئولة عن السداد للمطعون ضدها (الشركة .........)، وذلك لظهور تلف في البضاعة (هلاك جزئي)(1) ونقص في عددها خلافا لما هو وارد في سند الشحن.

    إلا أن هذه المسئولية يمكن أن ترتفع في بعض الحالات، التي نظمها المشرع البحريني في المادة 159 من القانون البحريني بقولها: " لا يسأل الناقل أو السفينة عن هلاك البضائع أو تلفها الناشئ عن: أ- الأفعال أو الإهمال أو الأخطاء التي تقع في الملاحة أو في إدارة السفينة من الربان أو البحارة أو المرشدين أو تابعي الناقل. ب- الحريق ما لم يحدث بفعل الناقل أو خطئه. جـ- مخاطر البحر أو المياه الملاحية الأخرى أو إخطارها أو حوادثها. د- القوة القاهرة. هـ- حوادث الحرب. و- أعمال الأعداء العموميين. ز- كل إيقاف أو إكراه صادر من حكومة أو سلطة أو شعب أو حجز قضائي. ح- قيود الحجر الصحي. ط- كل فعل أو ترك من جانب الشاحن أو مالك البضاعة أو وكيله أو ممثله. ى- كل إضراب عن العمل أو توقف عنه أو إغلاق أو أي عائق عارض إثناء العمل إذا كان من شأنه منع استمرار العمل جزئيا أو كليا. ك- الفتن والاضطرابات الأهلية. ل- إنقاذ أو محاولة إنقاذ الأرواح أو الأموال في البحر. م- العجز في الحجم أو الوزن أو أي هلاك أو تلف آخر ناتج عن عيب خفي أو من طبيعة البضاعة الخاصة أو عيب ذاتي فيها. ن- عدم كفاية التغليف. س- عدم كفاية أو عدم إتقان العلامات. ع- العيوب الخفية التي لا يكشفها الفحص العادي. ف- كل سبب آخر غير ناشئ عن فعل الناقل أو تابعيه أو من ينوب عنه أو أخطائهم. وعلى من يتمسك بهذا الدفع إن يثبت انه لا شأن لفعل هؤلاء الأشخاص أو أخطائهم في أحداث الهلاك أو التلف".

    وقد رأت المحكمة الاستئنافية عدم تحقق أي من هذه الحالات في هذه الدعوى، وقيام مسئولية الطاعنة في مواجهة المطعون ضدها.

    إلا أن المحكمة الاستئنافية أغفلت أنه يمكن أن ترتفع المسئولية عن عاتق الناقل البحري في حالات أخرى، ومنها حالة إدراجه تحفظا في سند الشحن يفيد عدم تحققه من كشوف الشاحن، وأن البضاعة وضعت في حاوية مغلقة بمعرفة الشاحن الأمر الذي حال دون اطلاعها على كمية البضاعة وعددها، فأوردت ذلك التحفظ في سند الشحن.

    وقد أقام هذا التحفظ قرينة لصالح الطاعنة بعدم مسئوليتها عن جميع البيانات المتعلقة بالبضاعة، واستنادا لهذه القرينة قضت محكمة التمييز لصالح الطاعنة.

    السؤال الثالث: هل يمكن أن تكون الطاعنة مسئولة في مواجهة المطعون ضدها؟

    لقد كان من المتصور أن تقوم مسئولية الطاعنة حتى مع تضمينها تحفظا في سند الشحن، وذلك فيما لو أثبتت المطعون ضدها ـ الشركة البحرينية الكويتية للتأمين ـ خطأ الطاعنة أو أحد تابعيها وتقصيرها في المحافظة على البضاعة، كأن تثبت أن الطاعنة لم تبذل العناية اللازمة للمحافظة على البضاعة داخل الحاوية، مما أدى إلى تلف جزء منها.(1) أو أن تلفاً لحق بالبضاعة نتيجة خطأ أحد تابعي الطاعنة (الناقل البحري).

    وختاماً، فقد صدر قرار محكمة التمييز لصالح الطاعنة، ويمكن استخلاص المبدأ التالي من هذا القرار: "أنه ولئن كان سند الشحن حجة بما ورد به من بيانات تتعلق بالبضاعة إلى أن يثبت العكس غير أنه إذا تضمن تحفظا من جانب الناقل إذا قامت لديه أسباب جدية تحمل على الشك في صحة بيانات الشاحن أو إذا لم تتوافر لديه الوسائل العادية للتحقق منها فإن من شأن هذا التحفظ أن يقوض حجية سند الشحن فيما يتعلق بوزن البضاعة أو عددها أو كميتها أو حالتها ويقع على المرسل إليه عبء إثبات وزن البضاعة الحقيقي أو عددها أو حالتها عند الشحن وبأن العجز أو التلف ناشئ عن خطأ الناقل أو تابعيه وذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها القرائن".



    (1) ينقسم التأمين، بالنظر إلى محله، إلى أقسام مختلفة، فقد يقع على المسئولية، كالتأمين الإلزامي على السيارات، وقد يقع على الأشخاص، كالتأمين على الحياة، وقد يقع على الأموال مثل التأمين على السيارات والسفن. وبالتالي فإن التأمين البحري هو أحد أنواع التأمين الواردة على الأموال. د. مجيد حميد العنبكي، القانون البحري العراقي، ط1، بيت الحكمة، بغداد، 2002، ص335.


    (1) يجب أن يتقدم الطاعن أمام محكمة التمييز بأسباب قانونية، وقد ذكر المشرع في المادتين الثامنة والتاسعة من قانون محكمة التمييز، حيث جاء في نص المادة الثامنة: "للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة التميـيز في الأحكام الصادرة من محكمة الاستئناف العليا المدنية أو من المحكمة الكبرى المدنية بصفتها الاستئنافية في الأحوال التالية: 1 ـ إذا كان الحكم المطعون فيه مبيناً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله. 2 ـ إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم".

    بينما تنص المادة التاسعة على أنه: "للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة التميـيز في أي حكم انتهائي - أيا كانت المحكمة التي أصدرته - فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي".



    (2) لم ينص المشرع البحريني صراحة على أن التزام الناقل البحري هو التزام بتحقيق نتيجة، بيد أن ذلك يستشف من المادة 144 بقولها: "عقد النقل البحري عقد يتعهد بمقتضاه الناقل سواء كان مالك السفينة أو مجهزها أو مستأجرها بنقل بضائع في السفينة إلى ميناء معين مقابل اجر". وقد كرست ذلك المبدأ محكمة التمييز في بعض قراراتها ومنها القرار الصادر في الطعن رقم 187/2001 حيث قالت: "...إن عقد النقل البحري يلقي على عاتق الناقل التزاما بضمان وصول الأشياء المراد نقلها إلى المرسل إليه وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية فإذا تخلفت هذه النتيجة اعتبر مخلا بالتزامه ولا يكفيه أن يثبت أنه قام بكل ما في وسعه لنقل البضاعة ....".





    (1) التأمين البحري قد يرد على السفينة أو على البضائع أو على أجرة الشحن أو غيرها من المصالح البحرية. د. مجيد حميد العنبكي، مرجع سابق، 335



    (1) الحلول نوعان: حلول اتفاقي (المادة 318 من القانون المدني) أو حلول قانوني (المادة 317 من القانون المدني). د. صبري حمد خاطر: النظرية العامة الالتزام ـ أحكام الالتزام، مطبعة جامعة البحرين، الطبعة الأولى 2004، ص28.



    (1) تم اشتقاق اصطلاح سند الشحن من كلمة انكليزية لم تعد تستعمل الآن وتعني (مستند رسمي) وكذلك من فعل مهجور وهو يعني (يشحن أو يحمل). د. مجيد حميد العنبكي، المرجع السابق، هامش4، ص166.



    (2) د. كمال حمدي، مسئولية الناقل البحري للبضائع، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2003، ص25.


    (1) الهلاك الجزئي يأخذ حكم التلف، ومعناه وصول البضاعة كاملة من حيث العدد ولكن مع تلف في بعض أجزائها، ويستوي أن يشمل العيب جميع أجزائها أو بعضها. د. كمال حمدي، مرجع سابق، ص46.




    (1) د. مجيد حميد العنبكي، مرجع سابق، ص235.
  • gamal gamal
    محامى ومستشار قانوني
    • Sep 2018 
    • 5088 
    • 120 
    • 163 

    #2

    شكرا لك أخى محامي بحريني
    على هذا الطرح ومرحبا بك معنا
    كعضو مشارك ومتفاعل ....
    Comment
    Working...
    X