X

دمعة

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • المنتصر عبد الكافي
    Thread Author
    Free Membership
    • Sep 2018 
    • 52 
    • 27 

    دمعة
    مشيت وامام ناظري صورة هؤلاء الأطفال الذين تحملوا ما تنوء به نفوس الرجال من حزن وأسى، ولم يعد للطفولة أي معنى عندهم، مع انهم ليس لهم أي شأن في معترك الحياة وصراعتها الوحشية سوى تلك الأحزان والجراحات التي حفرت اخاديد غائرة وباقية في طفولتهم الغضة.
    فكرت كيف يمكن ان ارسم على وجوههم بسمة ولو للحظة فانا اقل بكثير من ان اخرجهم من تلك المأساة التي نزلت بهم وبغيرهم. فكرت عن ما يمكن ان يحب الأطفال ان يلهو به ويشعرهم بالسعادة. نظرت من حولي فرأيت حانوت لبيع الطيور فقررت ان اشتري لهم عصفورا وضعه لي البائع في قفص صغير واشتريت بعض الحلوى لعلها تخفف عنهم.
    وما ان سرت خطوات حتى لفت انتباهي صبي ربما في السادسة من يحمل طبقاً فيه بعض قطع الشوكولاتة ليبيعها وهو يركز نظره على العصفور في القفص نظرت اليه فإذا دمعة تنزلق من عينه اخترقت أعماق كياني وأثارت في نفسي تساؤلات عديدة ...ما الذي اسال هذه الدمعة عل وجنة هذا الصبي؟ هل هي شفقة على العصفور؟ هل هي رغبته في ان يمتلك عصفورا؟ ام ماذا يا ترى؟
    سألته برفق وهدوء هل لديك عصفور هل تحب ان يكون لك عصفور؟ نظر الي بخوف ووجل ولم ينطق بكلمة؟ وكأنه يخاف ان يقول أي شيء. ان كنت تحب العصافير اشتري لك او خذه واشتري انا غيره، زاد القلق والتوتر على وجهه وبدأ يبتعد وعندها قلت انتظر انا اريد ان اشتري شوكولاتة ومددت يدي الى جيبي واخرجت بعض النقود وفي هذه اللحظة سألته اين ابوك وماذا يعمل؟ وإذا بالدموع تنهمر من عينيه وصوت بكاء مخنوق ولم ينطق بكلمة سوى نظرة أخرى الى القفص. القفص يا ابني؟ لقد فهمت. كان على ان أخفي كل ما جادت به عيناي جوابا على تلك الدموع فهذه لغة ليس هناك ابلغ منها ففي نفسيْنا تحتبس نار الألم وتنسكب الدموع وقضبان القفص تتحدث عما وراء القضبان وانا اتظاهر بالسعال وامسح عن وجهي ما صار فوق طاقتي فكم وكم مثله واشد وأنكى؟؟؟حتى يتماسك الطفل. وربما ملامحي اضافت رمزا آخر الى تلك القضبان في مخيلة الطفل فنفوس هؤلاء الأطفال تكتنف الكثير من المشاعر والصور والانفعالات التي تحتاج الى من يدركها تناولت قطعة واحدة من الشوكولاتة ووضعت كل ما في جيبي في الطبق وقلت انا اشتريت هذه القطعة والباقي لك لأنك صبي بطل ولا تتسول مثل هؤلاء الذين يفترشون الأرصفة ، فيكفيك ما بعته هذا اليوم وعد الى بيتك لتستعد للذهاب الى مدرستك وامثالك من الصبية الأبطال الأذكياء يوفقهم الله ولا يمكن ان تبقى الدنيا على حال واحدة فانت يا ابني كنت رضيعا واليوم صرت صبيا تتعلم في المدرسة وتبيع الشوكولاتة ومن يدري بعد ان تواصل تعليمك وتصير شابا ربما تكون من أصحاب القرار في بلدك فلا تحزن واعلم ان الله مع الصابرين

    المنتصر عبد الكافي
Working...
X