بسمِ الله الرّحمن الرحيم
السلام عليكمُ ورحمة الله تعالى وبركاته
إخوتي في الله؛ رُوّاد بوابة داماس؛
فيما يلي مقالٌ قيّمٌ، وطيبُ تذكير.
لا تُحاسِبْني على تَصَرّف واحِد في لَحْظَة غَضَب ؛ لِتَهدِم به عِشْرَة سِنِين عَدَدا !
فَنَبِيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام لَمّا رَأى ما وقَع فيه قَومُه مِن الْمُنكَر العَظِيم : ألْقَى الأَلْوَاحَ التي فيها الوَحي ، وزيادة على ذلك : شدّ وجَرّ رأسَ ولِحْيَةَ أخِيه الذي يَكبُره بِثلاث سِنين !
(وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)
فما كان مِن هَارون عليه الصلاة والسلام إلاّ أن قال : (يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)
وأبْدَى عُذرَه وتَخَوّفَه : (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ).
" رُوِي أنّ مُوسَى عليه الصلاة والسلام لَمّا جَاءَ قَوْمَه بِالأَلْوَاحِ فَوَجَدَهُم قَد عَبَدُوا الْعِجْل ، ألْقَى الأَلْوَاحَ غَضَبًا فَتَكَسّرَت ، فَنَزَعَ مِنْها مَا كَان صَحِيحًا وَأخَذ رُضَاضَ مَا تَكَسّر فَجَعَلَه فِي التّابُوت " .
(الجامع لأحكام القرآن : تفسير القرطبي).
قال ابن القيم رحمه الله :
لَمّا قَدِم موسى عليه السلام ورَأى ما أصَاب قومَه مِن الفَتنة اشتَدّ غَضَبُه ، وألْقَى الألْوَاح عن رأسِه ، وفيها كلامُ الله الذي كَتَبَه له ، وأخَذ بِرَأس أخِيه ولِحْيَتِه ، ولَم يَعتَبِ اللهُ عليه في ذلك ؛ لأنه حَمَله عليه الغَضَب لله .
وكان الله عزّ وَجَلّ قد أعْلَمَه بِفِتْنَة قومِه ، ولكن لَمّا رأى الْحَال مُشَاهَدَةً حَدَث له غَضَبٌ آخَر ، فإنه ليس الْخَبَر كَالْمُعَايَنَة .
(إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان).
وقال ابن القيم أيضا بعد أن ذَكَر ما كان مِن موسى عليه الصلاة والسلام : مِن إلقاءِ الألْواح ، ولَطْمِ عينِ مَلَكِ الْمَوت ، وأخذِه بِلِحْيَةِ هارونَ وجَرِّه إلَيه وهو نَبِيّ :
وكلُّ هذا لم يُنْقِص مِن قَدرِه شيئًا عند ربّه ، وربّه تعالى يُكْرِمُه ويُحبّه ؛ فإنّ الأمرَ الذي قامَ به موسى ، والعَدوَّ الذي بَرَز له ، والصّبرَ الذي صَبَره ، والأذى الذي أُوذِيَه في الله = أمْرٌ لا تُؤثّرُ فيه أمثالُ هذه الأمور ، ولا يُغَبَّرُ بِه في وَجْهِه ، ولا يَخفِضُ مَنْزِلَتَه .
وهذا أمْر مَعلُوم عِند الناس ، مُستَقِرّ في فِطَرِهِم : أنّ مَن له ألُوفٌ مِن الْحَسَنات فإنه يُسَامَح بِالسّيئة والسّيّئتَيْن ونَحوِها حتى إنه لَيخَتَلِجُ دَاعِي عُقوبَته على إساءته ، ودَاعِي شُكْرِه على إحسانه ؛ فيَغْلِب دَاعِي الشّكْر لِدَاعِي العُقُوبة.
كما قِيل :
فإن يَكُن الفِعْل الذي سَاء واحِدًا ... فأفْعَالُه اللاّئي سَرَرْنَ كَثِير
والله سُبحانه يُوازِن يوم القيامة بَيْن حَسَنات العَبدِ وسَيّئاتِه ، فأيّهمَا غَلَب كان التأثير له ؛ فيَفعَل بِأهْل الْحَسَنات الكَثِيرة ، والذين آثَرُوا مَحَابّه ومَرَاضِيَه - وغَلَبَتْهُم دَواعِي طَبعِهِم أحيانا - مِن العَفو والْمُسَامَحَةِ ما لا يَفعَله مع غيرِهم .
وقال أيضا :
مِن قَواعِد الشّرع والْحِكْمَة : أنّ مَن كَثُرَت حَسَناتُه وعَظُمَت ، وكان له في الإسلام تأثيرٌ ظاهِر ، فإنه يُحتَمَلُ له ما لا يُحتَمَل لِغيرِه ، ويُعفَى عنه ما لا يُعفَى عن غَيرِه ...
ومِن هذا : قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَر رضي الله عنه : وما يُدرِيك لَعَلّ الله اطلعَ على أهل بدرٍ فقال : اعمَلُوا ما شئتم ، فقد غَفَرتُ لكُم ...
ولَمّا حضَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصّدَقَة ، فأخْرَج عثمانُ رضي الله عنه تلك الصّدَقَةَ العظيمة ، قال : " ما ضَرّ عُثمَانَ ما عَمِل بعدها " .
وقال لِطَلْحَة [أي: النبي صلى الله عليه وسلم] لَمّا تَطَأطَأ للنبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صَعدَ على ظَهْرِه إلى الصّخْرَة [أي: يوم أُحُد] : " أَوْجَبَ طَلحَة " .
(مفتاح دار السعادة)].
........................
في أمان الله.
السلام عليكمُ ورحمة الله تعالى وبركاته
إخوتي في الله؛ رُوّاد بوابة داماس؛
فيما يلي مقالٌ قيّمٌ، وطيبُ تذكير.
لا تُحاسِبْني على تَصَرّف واحِد في لَحْظَة غَضَب ؛ لِتَهدِم به عِشْرَة سِنِين عَدَدا !
فَنَبِيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام لَمّا رَأى ما وقَع فيه قَومُه مِن الْمُنكَر العَظِيم : ألْقَى الأَلْوَاحَ التي فيها الوَحي ، وزيادة على ذلك : شدّ وجَرّ رأسَ ولِحْيَةَ أخِيه الذي يَكبُره بِثلاث سِنين !
(وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)
فما كان مِن هَارون عليه الصلاة والسلام إلاّ أن قال : (يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)
وأبْدَى عُذرَه وتَخَوّفَه : (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ).
" رُوِي أنّ مُوسَى عليه الصلاة والسلام لَمّا جَاءَ قَوْمَه بِالأَلْوَاحِ فَوَجَدَهُم قَد عَبَدُوا الْعِجْل ، ألْقَى الأَلْوَاحَ غَضَبًا فَتَكَسّرَت ، فَنَزَعَ مِنْها مَا كَان صَحِيحًا وَأخَذ رُضَاضَ مَا تَكَسّر فَجَعَلَه فِي التّابُوت " .
(الجامع لأحكام القرآن : تفسير القرطبي).
قال ابن القيم رحمه الله :
لَمّا قَدِم موسى عليه السلام ورَأى ما أصَاب قومَه مِن الفَتنة اشتَدّ غَضَبُه ، وألْقَى الألْوَاح عن رأسِه ، وفيها كلامُ الله الذي كَتَبَه له ، وأخَذ بِرَأس أخِيه ولِحْيَتِه ، ولَم يَعتَبِ اللهُ عليه في ذلك ؛ لأنه حَمَله عليه الغَضَب لله .
وكان الله عزّ وَجَلّ قد أعْلَمَه بِفِتْنَة قومِه ، ولكن لَمّا رأى الْحَال مُشَاهَدَةً حَدَث له غَضَبٌ آخَر ، فإنه ليس الْخَبَر كَالْمُعَايَنَة .
(إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان).
وقال ابن القيم أيضا بعد أن ذَكَر ما كان مِن موسى عليه الصلاة والسلام : مِن إلقاءِ الألْواح ، ولَطْمِ عينِ مَلَكِ الْمَوت ، وأخذِه بِلِحْيَةِ هارونَ وجَرِّه إلَيه وهو نَبِيّ :
وكلُّ هذا لم يُنْقِص مِن قَدرِه شيئًا عند ربّه ، وربّه تعالى يُكْرِمُه ويُحبّه ؛ فإنّ الأمرَ الذي قامَ به موسى ، والعَدوَّ الذي بَرَز له ، والصّبرَ الذي صَبَره ، والأذى الذي أُوذِيَه في الله = أمْرٌ لا تُؤثّرُ فيه أمثالُ هذه الأمور ، ولا يُغَبَّرُ بِه في وَجْهِه ، ولا يَخفِضُ مَنْزِلَتَه .
وهذا أمْر مَعلُوم عِند الناس ، مُستَقِرّ في فِطَرِهِم : أنّ مَن له ألُوفٌ مِن الْحَسَنات فإنه يُسَامَح بِالسّيئة والسّيّئتَيْن ونَحوِها حتى إنه لَيخَتَلِجُ دَاعِي عُقوبَته على إساءته ، ودَاعِي شُكْرِه على إحسانه ؛ فيَغْلِب دَاعِي الشّكْر لِدَاعِي العُقُوبة.
كما قِيل :
فإن يَكُن الفِعْل الذي سَاء واحِدًا ... فأفْعَالُه اللاّئي سَرَرْنَ كَثِير
والله سُبحانه يُوازِن يوم القيامة بَيْن حَسَنات العَبدِ وسَيّئاتِه ، فأيّهمَا غَلَب كان التأثير له ؛ فيَفعَل بِأهْل الْحَسَنات الكَثِيرة ، والذين آثَرُوا مَحَابّه ومَرَاضِيَه - وغَلَبَتْهُم دَواعِي طَبعِهِم أحيانا - مِن العَفو والْمُسَامَحَةِ ما لا يَفعَله مع غيرِهم .
وقال أيضا :
مِن قَواعِد الشّرع والْحِكْمَة : أنّ مَن كَثُرَت حَسَناتُه وعَظُمَت ، وكان له في الإسلام تأثيرٌ ظاهِر ، فإنه يُحتَمَلُ له ما لا يُحتَمَل لِغيرِه ، ويُعفَى عنه ما لا يُعفَى عن غَيرِه ...
ومِن هذا : قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَر رضي الله عنه : وما يُدرِيك لَعَلّ الله اطلعَ على أهل بدرٍ فقال : اعمَلُوا ما شئتم ، فقد غَفَرتُ لكُم ...
ولَمّا حضَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصّدَقَة ، فأخْرَج عثمانُ رضي الله عنه تلك الصّدَقَةَ العظيمة ، قال : " ما ضَرّ عُثمَانَ ما عَمِل بعدها " .
وقال لِطَلْحَة [أي: النبي صلى الله عليه وسلم] لَمّا تَطَأطَأ للنبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صَعدَ على ظَهْرِه إلى الصّخْرَة [أي: يوم أُحُد] : " أَوْجَبَ طَلحَة " .
(مفتاح دار السعادة)].
........................
في أمان الله.