يطالعني طيفه حين أخلد لراحتي وأستجم بما يقربني من اللوحة الحانية على خصوبة الخيال , هيئته وتكوينه , كونه ومكوناته , مكنوناته التي حباها الله ببعض من السمات تناديني من البعيد لتأخذني نحو المجهول الذي توارى وجوده فيه , يذهب ليُخلِّف في نفسي العجب وفي أعماقي الحيرة والسؤال , والطلول على أطلال يتركها أحياناً ويرحل مخلفاً ما يدعوني للعبث بما يخيِّم علي من خيوط الكرى ونسيج الهدوء , لحظة تتردد عليْ حين يغيب البصر في أفق البصيرة ويروح الخيال نحو إرادة ميزتها ماهيَّة ضمَّت من الأسرار ما يدعو للعجب , أرى فيه حاجتي , وأرى فيه نفسي وأرى فيه الآخرين كما يراني الآخرين أَطْرُدُ في مُلاحقته , يغيب فيغيب هدوئي في أبعاده التي فقدت الحواف , وفي حضوره أعجز عن التصرف إلاَّ باليسير من الأحوال , أجنح للمُعين في حيازتي عليه فلا أجد سوى الإرادة التي تمنعني من العجز عن نواله , أقفز إليه وغالباً ما اكبو ليحيطني الضعف والوهن , وبين إرادتي والوهن يندثر الزمن الذي هو أنا بأبعادي الثلاثة , كبو , ووهن , واندثار , وقليل من الحيلة التي تُوَرِّث الإنحسار , وجميع هذا لا يغني عن بعضه .. وليس من بد إلا أن يأتي , أريده بالكمال فَيُرْديني بالنقص , ويريدني بالقوة فيوقعني بالهزيمة , ذاك الهمس الذي بات يأكل بعضي ويلتهم أُنسي ويعبث بوجودي , ولكن أشعر بالمتعة حين يلتهمني , وبحضوره الذي أكره أن يغيب , يجب أن يغيب أُنسي ويُرْتَهَنُ له وجودي .
حببته وأحبه وسأحبه دائما , وسأجعله في غايتي من الحياة وأحد أسرارها الذي لا يجب أن يغيب , سأذهب خلفه عندما يصرُّ على البعد وسأرضيه عندما أرى منه الشرود , ولن أسمح له بالفراق إلاّ نحو البعيد حتى يكتمل وجودي على بعد وجوده , فهو بعضي وأنا جزء منه , وهو كُلِّي وأنا فيه أذوب , وبدونه تتوقف دورة الحياة بالنسبة لي , وسأعمل ما حييت حتى أحظاه , ولن يغيب لأن بغيابه يغيب الفهمُ مني والضمير , ويتبدد المسار الذي أرى فيه الهداية وأنا أتجرع هذه الحياة الفانية , إنه " هدفي " والهدف ذاك الذي لا يخل مخلوق من حيازته إلاَّ من حُرِمَ عظائم النعم , لأنه الدليل لكل مخلوق بمسيرته في الحياة نحو ما يتوالى من الزمان . ..
بقلم أنيس