X

مفاخرة الأمم بين النعمان وكسرى ملك العجم !!.

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • أنيس
    Thread Author
    VIP
    • Sep 2018 
    • 1283 
    • 585 
    • 1,001 

    قدم النعمان بن المنذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين فذكروا من ملوكهم وبلادهم فافتخر النعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأمم لا يستثنى فارس ولا غيرها ,
    فقال كسرى وأخذته عزة الملك : يا نعمان لقد فكرت فى أمر العرب وغيرهم من الأمم ونظرت في حالة من يقدم علي من وفود الأمم ,
    فوجدت للروم حظا فى اجتماع ألفتها وعظم سلطانها وكثرة مدائنها ووثيق بنيانها وأن لها دينا يبين حلالها وحرامها ويرد سفيهها ويقيم جاهلها ,
    ورأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها وطبها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها وعجيب صناعتها وطيب أشجارها ودقيق حسابها وكثرة عددها ,
    وكذلك الصين في اجتماعها وكثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد وأن لها ملكا يجمعها والترك والخزر على ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون وما هو رأس عمارة الدنيا من المساكن والملابس لهم ملوك تضم قواصيهم وتدبر أمرهم ,
    ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوة ومع أن مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضا من الحاجة قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها وإن قرى أحدهم ضيفا عدها مكرمة وإن أُطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم ما عدا هذه التنوخية التي أسس جدي اجتماعها وشد مملكتها ومنعها من عدوها فجرى لها ذلك إلى يومنا هذا وإن لها مع ذلك آثارا ولبوسا وقرى وحصونا وأمورا تشبه بعض أمور الناس يعنى اليمن ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب الناس .
    قال النعمان أصلح الله الملك
    حق لأمة الملك منها أن يسموا فضلها ويعظم خطبها وتعلو درجتها إلا أن عندي جوابا في كل ما نطق به الملك في غير رد عليه ولا تكذيب له فإن أمننى من غضبه نطقت به .
    قال كسرى قل فأنت آمن :
    قال النعمان أما أمتك أيها الملك فليست تنازع أحد في الفضل لموضعها الذي هي به من عقولها وأحلامها وبسطة محلها وبحبوحة عزها ,
    وما أكرمها الله به هو من ولاية آبائك وولايتك ,
    وأما الأمم التي ذكرت فأي أمة تقرنها بالعرب إلا فضلتها !!!؟؟. :
    قال كسرى بماذا يا نعمان ,,؟؟!!. :
    قال النعمان : بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وانفتها ووفائها ,
    فأما عزها ومنعتها فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد ووطدوا الملك وقادوا الجند لم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل , حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم الأرض وسقوفهم السماء وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر ,
    إذ غيرها من الأمم إنما عزها من الحجارة والطين وجزائر البحور
    وأما حسن وجوهها وألوانها فقد يعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المنحرفة والصين المنحَّفة والروم والترك المشوهة المقشَّرة
    وأما أنسابها وأحسابها فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أولها حتى إن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه ذنيا فلا ينسبه ولا يعرفه وليس أحد من العرب إلا يسمى آباءه أبا فأبا حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب إلى غير نسبه ولا يدعى إلى غير أبيه
    وأما سخاؤها فإن أدناهم رجلا الذي تكون عنده البكرة والناب عليها بلاغه في حموله وشبعه وريه فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزى بالشربة فيعقرها له ويرضى أن يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الذكر
    وأما حكمة ألسنتهم فإن الله تعالى أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم الأشياء وضربهم للأمثال وإبلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس ثم خيلهم أفضل الخيل ونساؤهم أعف النساء ولباسهم أفضل اللباس ومعادنهم الذهب والفضة وحجارة جبالهم الجزع ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر
    وأما دينها وشريعتها فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من نسكه بدينة أن لهم أشهرا حرما وبلدا محرما وبيتا محجوجا ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون فيه ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثاره وإدراك رغمه منه فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بأذى
    وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومي الإيماءة فهي ولث وعقدة لا يحلها إلا خروج نفسه وإن أحدهم يرفع عودا من الأرض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وإن أحدهم ليبلغه أن رجلا استجار به وعسى أن يكون نائيا عن داره فيصاب فلا يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره وإنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله
    وأما قولك أيها الملك يئدون أولادهم فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج
    وأما قولك إن أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها فما تركوا ما دونها إلا احتقارا لها فعمدوا إلى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع أنها اكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما وأرقها ألبانا وأقلها غائلة وأحلاها مضغة وإنه لا شيء من اللحمان يعالج ما يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه
    وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم إلانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف وإنه إنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون إليهم أمورهم وينقادون لهم بأزمتهم وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا أجمعين مع أنفتهم من أداء الخراج والوطث بالعسف
    وأما اليمن التي وصفها الملك فإنما أتى جد الملك إليها الذي أتاه عند غلبة الجبش له على ملك متسق وأمر مجتمع فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا ولولا ما وتر به من يليه من العرب لمال إلى مجال ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرار من غلبة العبيد الأشرار
    فعجب كسرى لما أجابه النعمان به وقال إنك لأهل لموضعك من الرياسة في أهل إقليمك ثم كساه من كسوته وسرحه إلى موضعه من الحيرة
    الرجال تيجان الأمم وتلك هي الحال ,, تسموا الأمم بملوكها وقادتها وتتضائل إذا غاب عنها من لم يصون هيبتها ,
    فأين العرب الآن من ذاك الزمان ؟؟!!!.
    مني أطيب المنى والتحية ..


    جمهرة خطب العرب - أحمد زكي صفوت
Working...
X