X

الإمام سعيد بن جبير ,, وكيف قتله الحجاج

المنتدى الاسلامي

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • أنيس
    Thread Author
    VIP
    • Sep 2018 
    • 1283 
    • 585 
    • 1,001 

    قال عون بن أبي شداد العبدي بلغني أن الحجاج بن يوسف لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل قائداً من الشام يسمى المتلمس بن الأحوص ومعه عشرون رجلاً، فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعة له فسألوه عنه فقال الراهب: صفوه؟ فوصفوه، فدلهم عليه، فانطلقوا فوجدوه ساجداً يناجي ربه بأعلى صوته، فدنوا منه وسلموا عليه، فرفع رأسه فأتم بقية صلاته ثم رد عليهم السلام، فقالوا له: أرسل الحجاج إليك فأجبه.

    فقال: لا بد من الإجابة؟ قالوا: لا بد.

    فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قام فمشى معهم حتى انتهى إلى دير الراهب، فقال الراهب: يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم؟ قالوا: نعم! قال: اصعدوا إلى الدير فإن الأسد واللبوة يأويان إلى الدير، فعجلوا الدخول قبل المساء.

    ففعلوا ذلك وأبى سعيد أن يدخل الدير، فقالوا: ما نراك ألا تريد الهرب؟ قال: لا، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبداً.

    قالوا: فإنا لا ندعك فإن السباع تقتلك؟ قال سعيد: إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرساً لي من كل سوء إن شاء الله تعالى.

    قالوا: أفأنت نبي من الأنبياء؟ قال: ما أنا من الأنبياء ولكن عبد من عبيد الله خاطئ مذنب.

    قالوا: احلف لنا أنك لا تبرح؟ فحلف لهم، فقال لهم الراهب: اصعدوا الدير وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح فإنه كره الدخول علي في الصومعة. فدخلوا وأوتروا القسي فإذا هم بلبوة أقبلت ودنت من سعيد وتحككت وتمسحت به، ثم ربضت قريباً منه، ثم أقبل الأسد فصنع مثل ذلك. فلما رأى الراهب ذلك، وأصبحوا، نزل إليه وسأله عن شرائع الإسلام وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففسر سعيد ذلك كله، فأسلم الراهب وحسن إسلامه. وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه ويأخذون التراب الذي وطئه بالليل وصلى عليه وقالوا: يا سعيد، حلفنا للحجاج بالطلاق إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه فمرنا بما شئت؟ قال: امضوا لشأنكم، فإنه لا بد من الرجوع لخالقي ولا راد لقضائه.

    فساروا حتى وصلوا واسط فلما انتهوا قال لهم سعيد: يا معشر القوم قد تحرمت بكم وصحبتكم ولست أشك أن أجلي قد حضر وأن المدة قد انقضت، فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت وأستعد لمنكر ونكير وأذكر عذاب القبر وما يحثى علي من التراب، فإذا أصبحتم فالميعاد بيني وبينكم المكان الذي تريدون.

    فقالوا لبعضهم: لا نريد أثراً بعد عين. وقال بعضهم: قد بلغتم أمنيتكم واستوجبتم جوائزكم من الأمير فلا تعجزوا عنه. فقال بعضهم الآخر: هو علي أدفعه إليكم إن شاء الله.

    فنظروا إلى سعيد فدمعت عيناه واغبر لونه ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك مذ لقوه. فقالوا بأجمعهم: يا خير أهل الأرض، ليتنا لم نعرفك ولم نرسل إليك الويل لنا كيف ابتلينا، ما عذرنا عند خالقنا يوم المحشر الأكبر والمجاوبة له؟ وقال كفيله: أسألك يا سعيد بالله ألا ما زودتنا من دعائك وكلامك، فأنا لا ألقى مثلك أبداً؟ فدعا لهم سعيد ثم خلو سبيله، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم مختفون في الليل كله، فلما انكشف عمود الصبح جاءهم سعيد ابن جبير فقرع الباب فقالوا: صاحبكم ورب الكعبة، فنزلوا إليه وبكوا معه طويلاً، ثم ذهبوا به إلى الحجاج فدخل عليه المتلمس فسلم عليه وبشره بقدوم سعيد بن جبير. فلما مثل بين يديه قال: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير.

    قال: أنت شقي بن كسير؟ قال: بل أمي كانت أعلم باسمي منك؟ قال: شقيت أنت وشقيت أمك.

    قال: الغيب يعلمه غيرك.

    قال: لأبدلنك بالدنيا ناراً.

    قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.

    قال: فما قولك في محمد؟ قال: نبي الرحمة.

    قال: فما قولك في علي، أفي الجنة أم في النار؟ قال: لو دخلتهما وعرفت أهلهما عرفت من فيهما.

    قال: فما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل.

    قال: فأيهم أحب إليك؟ قال: أرضاهم لخالقي.

    قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم.

    قال: فما بالك لا تضحك؟ قال: أيضحك مخلوق خلق من الطين، والطين تأكله النار.

    قال: فما بالنا نضحك؟ قال: لم تستو القلوب.

    قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت فوضعه بين يديه.

    فقال سعيد: إن كنت جمعت هذا لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا.

    ثم دعا الحجاج بآلات اللهو. فبكى سعيد.

    فقال الحجاج: ويلك يا سعيد اختر أي قتلة تريد؟

    قال: اختر لنفسك يا حجاج فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة.

    قال: أفتريد أن أعفو عنك؟

    قال: إن كان العفو من الله بلى، وأما أنت فلا.

    قال: اذهبوا به فاقتلوه.

    فلما خرج من الباب ضحك فأخبر الحجاج بذلك فأمر برده وقال: ما أضحكك؟

    قال: عجبت من جراءتك على الله وحلم الله عليك.

    فأمر بالنطع فبسط بين يديه وقال: اقتلوه!

    قال: " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين " .

    قال: وجهوه لغير القبلة.

    قال سعيد: " فأينما تولوا فثم وجه الله " .

    قال: كبوه لوجهه،

    فقال سعيد: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " .

    فقال الحجاج: اذبحوه.

    فقال سعيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.

    فذبح على النطع، رحمه الله تعالى. فكان رأسه بعد قطعه يقول لا إله إلا الله.

    وعاش الحجاج بعدها خمسة عشر يوماً. وذلك في سنة خمس وتسعين وكان عمر سيعد رضي الله عنه تسعاً وأربعين سنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.



    اللهم انفعنا ببركة أولئك البررة , وارفع عنا ظلم الظالمين الذين لا يخافونك وأنت رب العالمين

    ومني الشكر والتقدير ..



Working...
X