X

النوم كظاهرة حيوية بين القرآن والسنة - 2 -

المنتدى الاسلامي

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • أنيس
    Thread Author
    VIP
    • Sep 2018 
    • 1283 
    • 585 
    • 1,001 

    يتبع : النوم كظاهرة حيوية بين القرآن والسنة _ 1 _



    أنواع النوم:


    يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذ سنة ولا نوم ([سورة البقرة: 255]. وهكذا يفرق ـ سبحانه وتعالى ـ بين السنة وبين النوم، فأما السنة: فهي ما يعتري الإنسان للحظة وجيزة من غياب عن الواقع المحسوس حوله، ولكنه يعود لوعيه الكامل بسرعة دون أن يستغرق في النوم، وأحياناً يحدث ذلك وهو جالس أو واقف على قدميه دون أن يسقط على الأرض، وهي لحظة قصيرة جداً لا مجال خلالها لحدوث أحلام أو لما يحدث أثناء النوم من تغيرات في أنشطة أعضاء الجسم وأجهزته مما سبقت الإشارة إليه.

    أما النوم فقد ذكر في القرآن الكريم بأكثر من اسم لكل منها دلالته وإيحاءاته الخاصة؛ حيث يشمل كل ما هو نوم، ولا يشمل ( السنة ) فهناك ( النعاس ) ) إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ([الأنفال: 11]. وهو النوم غير العميق والذي لا تعكر صفوه أحلام أو رؤى، وهناك ( السبات ) وهو النوم العميق الذي يقارب الغيبوبة، ثم هناك ( المنام ) ) إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ([الأنفال: 43]. وكذلك ) فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ([سورة الصافات: 102]. وهو الجزء من النوم، أو النوم الذي تظهر خلاله الرؤى والأحلام، ويتم فيه استقبال الوحي بالأمر من الله.

    أما الرقاد فقد أطلق على حالتين:

    الأولى: حالة الفتية الذين أووا إلى الكهف، حيث يقول عنهم الحق تبارك وتعالى: ) وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ([الكهف: 18].

    والثانية: هي وصف لحال البشر بعد موتهم حيث يقول الحق سبحانه: ) ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون. قالوا: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ([يس: 51 ـ 52]. فهي وصف لحالة الجسد النائم ووضعه الممدد على الأرض، ولكن رقود الفتية في الكهف يختلف عن رقود الموتى في الأجداث، فالكهف مرقد للنائمين، والأجداث مرقد للموتى لا حراك فيهم؛ ولذلك تبرز الحركة الموحية للفتية الرقود في الكهف كآية من آيات الله لها دلائلها القيمة ) ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ( فالنائم لفترة طويلة أو الراقد دون حركة يضغط كله من أماكن محدودة لا تتغير من جسمه وبصفة مستمرة طالما أنه لا يتحرك، مما يسبب في النهاية تلفاً لذلك الجزء من الجسم نتيجة الضغط (pressure atrophy) وتقرحات الفرش (bed sores) وبالإضافة إلى ذلك فإن علم تحريك الأطراف لفترات طويلة ـ عدة أيام أو أكثر ـ وما يصاحبه من بطء في حركة سريان الدم في الأوعية الدموية في أطراف الجسم وهو ما يعرف بالركود الدموي (Haemostasis) يؤدي إلى زيادة القابلية لتجلط الدم وتخثره في الأوعية الدموية مما يؤدي إلى انسدادها (Intravascular Thrombosis).

    كما أن الرقاد لفترات أطول دون حركة يؤدي إلى ضمور عضلات الجسم الإرادية، وإلى نقص كمية الكالسيوم في العظام مع ترسب أملاح في الكليتين مما يؤدي إلى فسادها، وهذه الأمور من المكتشفات الطبية الحديثة ذات الأهمية العلاجية الكبرى، وذلك بالنسبة للمرضى الذين تستلزم حالتهم المرضية ملازمة الفراش، أو المصابين بالغيبوبة لفترات طويلة حيث أصبح من التدابير الطبية الأساسية تقليب هؤلاء المرضى في الفراش كل بضع ساعات بالإضافة إلى تدليك عضلاتهم وتحريك أطرافهم سلبياً وإيجابياً بصفة منتظمة طوال فترة ملازمتهم للفراش تجنباً لحدوث هذه المضاعفات الخطيرة.

    بعض ما يراه النائم:

    إن ما يراه النائم من رؤى وأحلام هو من الحقائق التي لا ينكرها أحد، إذ أنها مما يراه الناس كلهم صغيرهم وكبيرهم، حتى أنه يمكننا أن نقول بأنها من خصائص الإنسان والصفات الملازمة له، والرؤى والأحلام ما زالت من التحديات التي يواجهها العلماء والأطباء في كل مكان، النائم مغمض العينين ولكنه يرى ويميز الألوان ويحدد التفاصيل ويفرق بين الصغير والكبير والبعيد والقريب، سمعه معطل عما حوله في دنيا المحسوسات، فلا يستطيع أن يسمع من يتحدثون حوله في نفس الغرفة، ولكنه يسمع أشياء لا يسمعها من حوله ولا يسمعها غيره، ويعي ما يسمعه ويفكر فيه ويبقى في ذاكرته حتى بعد أن يستيقظ من نومه، غائب من عالمنا المحسوس لا يدرك ما يدور حوله، ولا يشعر بحواسه المختلفة إلا أنه في عالم آخر، يتكلم دون أن يحرك لسانه أو شفتيه، ويشعر بالألم دون أن يمس جلده شيء، ويجري دون أن يحرك ساقيه، ويفكر ويناقش ويجادل، ويضحك ويبكي ويصرخ دون أن يسمع صوته أحد، أو يشعر بما يحدث له غيره، ويستيقظ من نومه فيجد ما كان يراه في نومه محفوراً في ذاكرته كأنه كان واقعاً محسوساً ملموساً.

    ويتابع العلماء بأجهزتهم ومراقبتهم الشخصية ما يحدث أثناء النوم فلا ينتهون إلى شيء غير تسجيل بعض التغيير في النشاط الكهربي للدماغ، وبعض التغيرات في نبض النائم وتنفسه وبعض عضلاته، وغير ذلك مما لا يعطي أدنى فكرة عن طبيعة ما يراه النائم أو أسبابه، ويستمر التحدي، ولا يبقى لنا غير العودة إلى قول الحق تبارك وتعالى خالق الإنسان وخالق ما يراه الإنسان، ويبقى قول الحق تبارك وتعالى: ) ولنعلمه من تأويل الأحاديث ([سورة يوسف: 21]. وتتكرر الأحاديث في قصة يوسف عليه السلام، حيث تدور السورة كلها حول محور رئيسي هو ما رآه يوسف عليه السلام، وما رآه غيره، ومقدرة يوسف عليه السلام على تأويل تلك الرؤى التي كانت كلها ترمز إلى غيب مستقبل تحقق بإذن الله بالشكل الذي أولها عليه يوسف عليه السلام فهذا يوسف الصغير يحكي لأبيه ما رآه ) إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ([سورة يوسف: 4]. فيدرك أبوه معنى ذلك، فيبشره ويحذره في نفس الوقت من إخبار إخوته بما رأى، وتمر السنوات الطويلة لتتحقق الرؤيا الصادقة ) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ريب حقاً ([سورة يوسف: 100]. ثم ها هما صاحبا السجن ) قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً. وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ([سورة يوسف: 36].

    ويتحقق تأويل يوسف ـ عليه السلام ـ لذلك بحذافيره ) يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمراً وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ([سورة يوسف: 41]. ها نحن نرى الذي رأى أنه يسقي ربه خمراً حضر الملك حين قص الملك رؤياه على من حوله قائلاً: ) إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي عن كنتم للرؤيا تعبرون ([سورة يوسف: 43]. فما كان ردهم عليه إلا أن ) قالوا: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ([سورة يوسف: 44]. لكن: ) وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون([سورة يوسف: 45].

    وهكذا عاد إلى يوسف ـ عليه السلام ـ الذي قام بتأويل رؤيا الملك وزاد عليها فكان إخباراً بغيب سيتحقق بأمر الله في المستقبل القريب، وقد كان، كما قالت السيدة عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يؤول رؤيا رآها قبل غزوة أحد حيث قال للمسلمين: ( إني قد رأيت والله خيراً، رأيت بقراً تذبح لي، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً، ورأيت أني أدخل يدي في درع حصينة، فأما البقر فأولتها ناساً من أصحابي يقتلون، وأما الثلم الذي رأيت في ذباب سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل، أما الدرع فأولتها المدينة ).

    وهكذا تحمل كل رؤيا مما استعرضنا إنباء بغيب يحدث بعد ذلك، غير أنها لا تأتي صريحة ولكنها تأتي بشكل رمزي معبر يستطيع تأويله من يعلمه الله ويعطيه القدرة على التأويل، وحين يعبر القرآن الكريم عنها بأنها ( أحاديث ) فمعنى ذلك: أن مرسل تلك الأحاديث عالم بالغيب وبما سيحدث مستقبلاً، وقادر على أن يخص بالحديث شخصاً واحداً وأن يضع له الأحاديث بأي شكل، وقادر على أن يجعله يتلقى الأحاديث بشكلها المرسلة به، وهذه هي الرؤيا الصادقة من الله تعالى، وبالطبع فإن استقبال النائم يختلف تماماً عن استقبال المستيقظ؛ إذ أن حواسه بشكلها المعروف لدينا تكون معطلة تماماً، ولكن لديه جهاز استقبال خاص ينشط أثناء النوم ويتلقى ما تعجز عن تلقيه الحواس، ويقوم بتسجيل ما يستقبله في ذاكرة النائم فلا ينساها حتى بعد أن يستيقظ، هذا الجهاز مبرمج لاستقبال أحاديث لا يتلقاها غيره، فالنائمون حتى لو كانوا في مكان واحد فإنهم لا يرون نفس الرؤيا بحال من الأحوال، ولأن الاستقبال يميز كل إنسان عن غيره فإنه كذلك يستقبل ما يأتي إليه من أوامر قد تكون وحياً أو غير ذلك، فهذا إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول لابنه: ) يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين(فهو أمر من الله يتلقاه جهاز الاستقبال أثناء النوم فيعيه، ويدرك سيدنا إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن ذلك حق ووحي من الله فيسرع بالتنفيذ.

    ومن أشهر ما يرويه التاريخ قصة إعادة حفر بئر زمزم على يد جد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث جاءه الأمر بحفرها وهو نائم، وحدد له الهاتف مكانها بدقة، وذلك أنه أتاه آت في منامه فقال له: احفر طيبة، ثم جاءه الليلة التالية وقال له: احفر برة، ثم جاءه الليلة التالية فقال له: احفر المضنونة، ثم جاءه الليلة التالية فقال له: احفر زمزم، فقال له: وما زمزم؟ فقال: لا تنزف أبداً ولا تزم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل.

    إن ما يراه الإنسان النائم ـ مؤمناً أو غير مؤمن ـ من مرائي وما يأتيه من أخبار وأوامر تعتبر من الألغاز القديمة والتحديات الباقية للعقل البشري، ولكل ما أوتي الإنسان من وسائل المعرفة والبحث، وصدق الله العظيم) وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([سورة الإسراء: 85]. عجز العلماء، ووقف الفلاسفة حائرين، وأسسوا الجمعيات المختلفة التي تبحث فيما وراء إدراك الحواس، ومن أشهرها وأقدمها جمعية المباحث الروحية بلندن في إنجلترا، والتي تأسست عام 1882 ميلادية، وكثير من معاهد البارابسيكولوجي (parapsychology) في أمريكا وفي أوروبا، حيث اختاروا ذلك اللفظ المركب للتعبير عن نوعية الدراسات في تلك المعاهد، فقد قاموا بدراسة ما أطلقوا عليه ( ظواهر انتقال الفكر أو الاتصال الفكري على البعد Telepathy) والاستشفاف أو الجلاء البصري، أي: الإحساس بالحوادث التي تحدث على مسافات بعيدة، وأطلقوا لقب: الإدراك خارج الحواس على هاتين الظاهرتين.

    أ. د / عبد الباسط محمد سيد



    يتبع بحول الله




Working...
X