X

إيضاحات عن ,, العقل والنفس والقلب والروح

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • أنيس
    Thread Author
    VIP
    • Sep 2018 
    • 1283 
    • 585 
    • 1,001 



    عَقَلَ : أوثق بعقال لضبط حركة المتحرك

    وعَقَلَ الشيء فهمه وعرفه وأدرك مدى تأثيره

    وقد ورد في كتب البلاغة تعريفات عدة للعقل أظهرها ما ورد في كتاب أساس البلاغة , وهذه أظهر صيغ التعريف التي وردت في هذا الكتاب أُوجزها بهذه الكلمات :

    " العقل جوهر روحاني خلقه الله تعالى متعلقا ببدن تعلق التدبير والتصرف " .

    وفي بحثنا حول العقل نرى أنه يوجد تواصل بينه وبين الغرائز المنوطة بها أفعال , وكذلك مع الحواس الخمسة - البصر والسمع واللمس والشم والتذوق - وما ينتج عن هذه الحواس من مدركات مادية يمكن للعقل أن يتولاها ويتعامل معها بالقبول أو الرفض وحسب تأثيرها على المخلوق ومصيره أو حاجته لها .

    وقد أشار القرآن إلى هذا في بعض آياته ومنها :

    " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) " البقرة

    نلاحظ هنا أن الموعظة كانت حسِّية وذات تلمُّس مادي يقتصر تناولها عن طريق الحواس وعمومها حاسة البصر ,

    " وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) " المائدة ,

    " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) " يونس

    هنا كانت الموعظة حسِّية أيضاً وتتبع حاسَّة السمع .

    " وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) " الرعد

    هنا الموعظة حسِّية وتتعلق أيضاً بحاسة الذوق والشم من خلال التفاضل بين الأعناب والنخيل وفي مابينها هي أيضاً في الطعم والرائحة والأكل .

    وهناك مدركات أخرى يعيها العقل عن طرق أخرى - كالبصيرة والفؤاد أو القلب -

    وقد أشار القرآن الكريم أيضاً إليها في بعض آياته ومنها :

    " مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) " النجم

    " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) " الحج ,

    نرى هنا الإشارة الصريحة بأن القلوب ليست مجرد أعضاء تضخ الدم بل لها خاصيّة الإدراك والتمييز ترفدها إلى العقل وتتعامل معه ,

    ولكن هذه المدركات ذات طابع معنوي كالمحبة والكراهية والإيمان والإعتقاد والطمع والخوف ... وغيرها من المدركات التي لا تدخل إلى العقل عن طريق الحواس .

    مثلاً الإعجاب يدركه العقل عن طريق الحواس أما المحبة يتم إدراكها من خلال القلب أو اللُّب .

    وهنا تجب الإشارة إلى أنه ليس من الضرورة أن يتعامل العقل بإيجابية مع كل ما يأتي من خلال الحواس أو الوسائط الأخرى - البصيرة والقلب أوالفؤاد - فهنا تحدد مسؤولية العقل بالتعامل مع هذه المدركات من خلال وعيه لأثارها على الكائن البشري الحي , فيرفضها إذا كانت ضارة ويقبلها إذا كانت نافعة

    والمضرَّة والنفع هنا لا تأتي من خلال المقاس المادي فقط كتأثير النار بالحرق أو الأشعة الضارة بالبصر أو الأصوات المؤثرة بسلامة السمع , ولكن للعقل منظور أكثر شمولية في التحديد لآثار هذه المدركات , فالعقل يعقل أن النظر إلى المحرمات غير جائز و ضار فيأمر البصر بالكف عن الإبصار , كما ينهى السمع عن سماع ما هو محرَّم أيضاَ وهكذا .

    أما النفس فهي مخلوق يشبه العقل من حيث تعاملها مع المدركات ولكنها ليست هو , وتتعامل مع المدركات بعدة أشكال أشار إليها القرآن الكريم وهي :

    النفس الأمَّارة : وهي التي تأمر صاحبها لأن يفعل ما تهوى سواءً كان ضرراً أو نفعاً ,

    " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) " يوسف

    والنفس اللَّوامة : وهي التي تُحاكي صاحبها وتلومه إثر كل فعل إرتكب فيه معصية ,

    " وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) " القيامة

    والنفس المطمئنَّة : وهي النفس الهاجعة تحت سلطان الخالق وقد سكنت وعملت بأوامر العقل ونواهيه بما يفيد الإحسان .

    " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) " الفجر

    والنفس كبقيَّة الحواس والغرائز جعلها الله تحت سلطان العقل , إلاَّ أنها تهوى المتعة وتحبذ الولوغ فيها , وفي حالات النفس الأمارة تحاول الخروج عن سلطان العقل طمعاً في نيل شهوة ما تُحصِّلُها عن طريق أحد الغرائز , فهنا يأتي التذكير من الله عزَّ وجل لمن ينهى النفس ويمنعها عن الإنسياق وراء ما هو محرَّم بقوله :

    " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) " النازعات

    ويبقى للعقل جملة الخيارات بالتعامل مع المدركات سواء بالقبول أو الرفض , وتقوم نفاذية قرار العقل على مدى حكمته وقدرته على فرض الحكم على سلوك المخلوق البشري , ففي حالة قصور العقل بالحكمة يقل تكليف المرء طبقاً لقول الله جل وعلا :

    " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة .

    أمَّا في حالة توانيه عن فرض قوته بالزجر لما يقع تحت سلطانه من تعاطي الشهوات فيخضع لقول الله :

    " وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) " يونس

    وهنا الإشارة بالرجس إلى - العذابُ وغضب الله عز وجل كما ورد في تفسير بن كثير - , على ما اقترفه من قصور في عدم الزجر و العقل عن الهوى .

    أما الروح فقد قَلَّتْ فيها المعلومات طبقاً لقول الله عز وجل :

    " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) " الإسراء

    ويمكن القول فيها أنها نور إلهي يُذكي الجسد وما حوى من أعضاء وغرائز ومشاعر وأفكار بما يحفظها في ديمومة الإستمرار بالحياة ويمنع عنها التلف والفناء الدنوي , وذلك إلى أجل مسمى حدده الله عز وجل بالموت , وقد جعل الله لهذه الروح خاصيِّة التعامل بالحمل والإيداع والخروج والنقل , يتعامل بها جنوده عند ولادة المخلوق أو موته , كما جعل خواصها بالقبح والتكريم تتبع عمل صاحبها من بني البشر الذي كانت سبباً في حياته لفعله .

    أرجو الله أن أكون قد أصبت وأعوذ به من الحِيَل والزلل .

    ومني كل التقدير لجميع روَّاد هذه البوابة الفيحاء ..




Working...
X