X

الصحابي الجليل طَلْحَة بن عُبَيْد اللّه التَّيمي القُرشي من العشرة المبشرين بالجنة

المنتدى الاسلامي

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • محمد مصطفى محمود
    Thread Author
    Free Membership
    • Nov 2018 
    • 662 
    • 304 

    مقدمة
    طَلْحَة بن عُبَيْد اللّه التَّيمي القُرشي (28 ق.هـ - 36 هـ / 594 - 656م)، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده.
    قال عنه النبي محمد أنه شهيد يمشي على الأرض فقال: «من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله».
    أسلم مبكرًا، فكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وهاجر إلى يثرب التي سُميت فيما بعد بالمدينة المنورة، وشارك في جميع الغزوات في العصر النبوي إلا غزوة بدر حيث كان بالشام، وكان ممن دافعوا عن النبي محمد في غزوة أحد حتى شُلَّت يده، فظل كذلك إلى أن مات.
    وجعله عمر بن الخطاب في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده، وقال: «هم الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض.»، وبعد مقتل عثمان بن عفان خرج إلى البصرة مطالبًا بالقصاص من قتلة عثمان فقُتِلَ في موقعة الجمل ، فكان قتله في رجبٍ سنة ستٍّ وثلاثين من الهجرة، وله أربع وستُّون سنة، وقيل اثنان وستُّون سنة.
    كان لطلحة أحد عشر ولدًا وأربع بنات، وكان يُسمّي أبناءه بأسماء الأنبياء، فمنهم محمد بن طلحة السجاد وعمران بن طلحة وموسى بن طلحة وعيسى بن طلحة، وغيرهم.

    نسبه
    هو طَلْحَة بن عُبَيْد اللّه بن عُثْمان بن عَمْرو بن كَعْب بن سَعْد بن تَيْم بن مُرَّة بن كَعْب بن لُؤَيِّ بن غَالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كنانة[بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
    أمه الصَّعبة بنت عبد الله بن عماد بن مالك بن ربيعة بن أكبر بن مالك بن عُويف بن مالك بن الخزرج بن إياد بن الصّدف بن حضرموت بن كندة ، وهي أخت الصحابي العلاء بن الحضرمي ، وأمّها عاتكة بنت وهب بن عبد بن قُصيّ بن كلاب، وكان وهب بن عبد صاحب الرّفادة دون قريش كلّها، وكان أبوها يُعرَف بعبد الله بالحضرميّ؛ فيقال لها بنت الحضرميّ.
    ذكر ابن حزم له عدة أخوة منهم:
    *-عثمان بن عبيد الله، أنجب عبد الرحمن بن عثمان الذي قُتِل مع عبد الله بن الزبير.
    *- مالك بن عبيد الله، أنجب عثمان بن مالك الذي قتله صهيب الرومي في غزوة بدر في صفوف قريش.
    *- ابن عم عبيد الله بن معمر التيمي والي البصرة، ويلتقي نسبه مع أبي بكر الصديق في عامر بن كعب بن سعد، فكلاهما من بني تيم، وكذلك هما ملتقيان في نسب النبي محمد في مُرَّة بن كَعْب.

    نشأته
    وُلِد طلحة في مكة قبل الهجرة بثمانية وعشرين عامًا اعتمادًا على القول بأنه مات وهو ابن أربع وستين سنة، أو قبل الهجرة بستة وعشرين عامًا اعتمادًا على القول بأنه مات وهو ابن اثنين وستين سنة.
    وكان طلحة آدم كثير الشعر، حسن الوجه، أبيض يميل إلى الحمرة، قال ابن منده: «كان رجلا آدم، كثير الشعر، ليس بالجعد القطط ولا بالسبط[معلومة 2]، حسن الوجه، إذا مشى أسرع، ولا يغير شعره.»، وعن موسى بن طلحة قال: «كان أبي أبيض يضرب إلى الحمرة، مربوعًا،[معلومة 3] إلى القصر هو أقرب، رحب الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمين، إذا التفت التفت جميعًا.»

    إسلامه
    كان طلحة بن عبيد الله من السابقين الأولين، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، حيث كان من الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق، قال ابن إسحاق: «فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ - يعني أَبي بَكْرٍ - فِيمَا بَلَغَنِي: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَبِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَآمَنُوا وَأَصْبَحُوا مُقِرِّينَ بِحَقِّ الإِسْلامِ، فَكَانَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»
    ويروي إبراهيم بن محمد بن طلحة قصة إسلامه جده فيقول : قال طلحة بن عُبيد الله حضرتُ سوقَ بُصْرى فإذا راهبٌ في صومعته يقول: سَلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحدٌ من أهل الحَرَم؟ قال طلحة: فقلتُ نعم أنا، فقال: هل ظَهَرَ أحْمَدُ بعدُ؟ قال قلتُ: ومَنْ أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطّلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء ومخرجه من الحرم ومُهاجَرُه إلى نَخْلٍ وحَرّةٍ وسِباخٍ، فإيّاكَ أنْ تُسْبَقَ إليه، قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال فخرجتُ سريعًا حتّى قدمتُ مكّة فقلتُ: هل كان مِنْ حَدَثٍ؟ قالوا: نعم محمّد بن عبد الله الأمين تنبّأ وقد تبعه ابن أبي قُحافة، قال فخرجتُ حتّى دخلتُ على أبي بكر فقلت: أتَبِعْتَ هذا الرّجل؟ قال: نعم فانطلقْ إليه فادخل عليه فاتْبَعْه فإنّه يدعو إلى الحقّ. فأخبَرَه طلحة بما قال الرّاهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله ، فأسْلَم طلحة وأخبر رسول الله بما قال الرّاهب فسُرّ رسول الله ، بذلك فلمّا أسلَم أبو بكر وطلحة بن عُبيد الله أخذهما نَوفل بن خُويلد بن العَدَويّة فشَدّهما في حبلٍ واحدٍ ولم يمنعهما بنو تيم، وكان نَوفل بن خُويلد يُدْعى أسدَ قريش فلذلك سُمّي أبو بكر وطلحة القَرينَين.
    ولمّا أَسلم طلحةُ آخى النبي بَيْنَه وبين الزبير بن العوام بمكة قبل الهجرة إلى المدينة ولم يهاجر طلحة إلى الحبشة لأنه كان من أكابر قريش، فلم يكن يناله من العذاب ما ينال ضعفاء المسلمين، فلم يحتج للهجرة إلى الحبشة؛ وكذلك أبو بكر الصديق، حيث كانا من بني تيم وهي قبيلة كبيرة لها مَنَعَة.

    صفته
    وكان رضي الله عنه رجلاً آدم، حسن الوجه، كثير الشعر، ليس بالجعد القطط، ولا بالسبط، وعن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة قال كان طلحة بن عبيد الله أبيض يضرب إلى الحمرة، مربوعا هو إلى القصر أقرب، رحب الصدر، عريض المنكبين، إذا التفت التفت جميعا، ضخم القدمين، حسن الوجه، دقيق العرنين، إذا مشى أسرع، وكان لا يغير شعره، وأمه الحضرمية، اسمها: الصعبة بنت عبد الله بن عماد ابن مالك بن ربيعة، وقد أسلمت وهاجرت وعاشت بعد ابنها قليلا؛ روى الطبري من طريق ابن عباس قال: أسلمت أم أبي بكر، وأم عثمان، وأم طلحة، وأم عبد الرحمن بن عوف، ويكنى طلحة أبا محمد، ويعرف بطلحة الخير وطلحة الفياض.

    أسرته
    زوجاته
    ذكرت كتب السير أن طلحة بن عبيد الله تزوج زيجات عديدة، وكان من أزواجه أربع نسوة تزوج النبي محمد أخت كل منهن، فقال ابُن السَّكَنِ: «يقال: إن طلحة تزوَّج أربعَ نسوةٍ عند النبيّ أخْتُ كل منهن: أم كلثوم بنت أبي بكر أخت عائشة، وحَمْنة بنت جحش أخت زينب، والفارعة بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة، ورقيّة بنت أبي أمية أخت أم سلمة.»، ومن زوجات طلحة:
    1- حمنة بنت جحش وهي أخت زينب بنت جحش زوجة الرسول محمد، وأخت الصحابيين عبد الله بن جحش وأبو أحمد بن جحش، وكانت زوجة مصعب بن عمير الذي قُتِل في غزوة أحد، فتزوجها طلحة، وولدت له محمد السجّاد وعمران.
    2- خولة بنت القعقاع كانت زوجة أبي الجهم بن حذيفة، فولدت له محمدًا، وتزوجها طلحة فولدت له موسى بن طلحة.
    3- أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق أمها حبيبة بنت خارجة، تُعد من تابعين، حيث وُلِدت بعد وفاة أبيها أبي بكر الصديق، تزوجها طلحة فولدت له زكريا، ويوسف، وعائشة، فقتل عنها طلحة بن عبيد الله في موقعة الجمل. ثمّ تزوّجت بعده عبد الرحمن بن عبد الله بن أَبِي رَبِيعة بن المُغِيرة، فولدت له إبراهيم الأحول وموسى وأمّ حميد وأمّ عثمان.
    وروى الترمذي: «أتاه مال من حضرموت سبع مائة ألف، فبات ليلته يتململ. فقالت له زوجته: ما لك؟ قال: تفكرت منذ الليلة، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت عن بعض أخلائك فإذا أصبحت، فادع بجفان وقصاع فقسمه. فقال لها: رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق، وهي أم كلثوم بنت الصديق، فلما أصبح دعا بجفان، فقسمها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى علي منها بجفنة، فقالت له زوجته: أبا محمد، أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ قال: فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي. قالت: فكانت صرة فيها نحو ألف درهم.»
    4- أم أبان بنت عتبة بن ربيعة هي خالة معاوية بن أبي سفيان، وأخت هند بنت عتبة، كانت زوجة أبان بن سعيد بن العاص، فقتل عنها ب معركة أجنادين، فعادت إلى المدينة المنورة، فتقدم لخطبتها عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، فاختارت طلحة، فتزوجها، وأنجبت له إسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، قال موسى بن طلحة : «خطب عمر بن الخطاب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فأبته، فقيل لها: ولم؟ قالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج بيأس، قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينه. ثم خطبها الزبير بن العوام، فأبته، فقيل لها: ولم؟ قالت: ليست لزوجه منه إلا شارة في قراملها. ثم خطبها علي، فأبت، فقيل لها: ولم؟ قالت: ليس لزوجه منه إلا قضاء حاجته، ويقول: كنت، وكنت. وكان، وكان. ثم خطبها طلحة بن عبيد الله، فقالت: زوجي حقاً ! قالوا: وكيف ذلك؟ قالت: إني عارفةً بخلائقه، إن دخل دخل ضحاكاً، وإن خرج خرج بساماً. إن سألت أعطى، وإن سكت ابتدأ، وإن عملت شكر، وإن أذنبت غفر. فلما أن ابتنى بها قال علي: يا أبا محمد، إن أذنت لي أن أكلم أم أبان، قال: كلمها، قال: فأخذ سجف الحجلة، ثم قال: السلام عليك يا غريرة نفسها، قالت: وعليك السلام، قال: خطبك أمير المؤمنين، وسيد المسلمين فأبيته؟ قالت: كان ذلك. قال: وخطبك الزبير ابن عمة رسول الله ، وأحد حوارييه فأبيته؟ قالت: وقد كان ذلك، قال: وخطبتك أنا، وقرابتي من رسول الله ؟ قالت: قد كان ذلك، قال: أما والله لقد تزوجت أحسننا وجهاً، وأبذلنا كفاً، يعطي هكذا وهكذا.»
    5- سُعدى بنت عوف المُريّّة لها صحبة، تزوجها طلحة وأنجب منها يحيى، عيسى،روى عنها أنها قالت: «دخلتُ على طلحة ذات يوم فقلت: ما لي أراك أرابك شيءٌ من أهلك فنُعْتِبَ؟ قال: نعم، حليلةُ المرءِ أنت ولكن عندي مال قد أهَمنّي أو غَمّني، قالت: اقْسِمْه. فدعا جاريته فقال: ادخلي على قومي. فأخَذَ يَقْسِمُهُ فسألتها: كم كان المال؟ فقالت: أربعمائة ألف.»
    6- أم الحارث بنت قسامة اسمها الْجَرْبَاءُ بِنْتُ قَسَامَةَ، من قبيلة طيء، قَدِمت علي النبي، فتزوجها طلحة بن عبد الله، فولدت له أم إسحاق.
    7- الفَرْعة بنت عليّ سَبيّة من قبيلة بني تغلب، أنجبت له صالحًا.
    8- قريبة بنت أبي أمية أخت أم سلمة زوجة النبي محمد، أنجبت له مريم.
    9- أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، لم يذكرها أصحاب السير من زوجاته، ولكن ذكر ابن كثير في التفسير أنها كانت من زوجاته، فقال عند تفسيره للآية ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ : «وقال محمد بن إسحاق، عن الزهري: طلق عمر يومئذ قرِيبة بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها معاوية، وأمّ كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية، وهي أمّ عبيد الله، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم رجل من قومه وهما على شركها. وطلّق طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فتزوجها بعده خالد بن سعيد بن العاص.»

    أبناؤه
    كان لطلحة أحد عشر ولدًا وأربع بنات، وكان يُسمّي أبناءه بأسماء الأنبياء، فأولاده الذكور هم :-
    1- محمد بن طلحة السجاد، أمه حمنة بنت جحش، أكبر أبناء طلحة، لُقِبَ بالسجَّاد لعبادته وتألهه، ولد في حياة النبي، وقتل شابًا مع أبيه في موقعة الجمل، وابنه إبراهيم بن محمد بن طلحة تابعيّ ومن رواة الحديث النبوي.
    2-عمران بن طلحة، أمه حمنة بنت جحش، تابعيّ من الثقات، وقيل انقرض عَقِبة، ويقال ولد في حياة النبي.
    3- موسى بن طلحة، أمه خولة بنت القعقاع، تابعيّ ومن رواة الحديث النبوي، قال أبو حاتم الرازي: «هو أفضل ولد طلحة بعد محمد»، تُوفى سنة 103 هـ.
    4- يعقوب بن طلحة، أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة، قال محمد بن سعد البغدادي: «كان سخيًّا جوادًا، وقُتل يوم الحَرّة في ذي الحجةّ سنة ثَلَاثٍ وستين».
    5- إسماعيل بن طلحة، أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة، ولا عقب له.
    6- إسحاق بن طلحة، أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة، تزوج أمّ أُناس بنت أبي موسى الأشعري، وأنجب منها عبدَ الله، وأبا بكر، درج، وعبيدَ الله، وله من الأبناء أيضًا مُصْعَب، ومعاوية، ويعقوبَ، وحفصةَ، وأمَّ إسحاق. وَلِى خراج خراسان لمعاوية، فلما وصل إلى الري توفي سنة 56 هـ.
    7- زكريّا بن طلحة، أمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، له من الأبناء: يحيَى، وعبيدَ الله وأمّهما العَيْطَل بنت خالد بن مالك، وأمَّ إسماعيل، وأمَّ يحيَى وأمّهما أمّ إسحاق بنت جَبَلة بن الحارث من كِنْدة، وأمَّ هارون وأمّها أمّ ولد.
    8- يوسف بن طلحة، أمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق.
    9- يحيى بن طلحة، أمه سُعدى بنت عوف، له من الأبناء: طلحَة وأمّه أمّ أبان، وإسحاقَ بن يحيَى وأمّه الحَسْناء بنت زبّار، وسلمة بن يحيَى، وعيسى، وسالمًا، وبلالًا، ومِهْجَع بن يحيَى ومسلمة وأمّ محمد، وأمّ حكيم وسُعْدى، وفاطمة وأمّهنّ سوْدة بنت عبد الرحمن بن الحارث.
    10- عيسى بن طلحة، أمه سُعدى بنت عوف، تابعيّ ومن رواة الحديث النبوي الثقات، وفد على معاوية بن أبي سفيان، وعاش إلى حدود سنة مئة، وتوفى في خلافة عمر بن عبد العزيز
    11- صالح بن طلحة، أمه الفَرْعة بنت عليّ.

    أولاده البنات هن :-
    1- عائشة بنت طلحة، أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، روت أحاديث في الصحاح عن خالتها عائشة بنت أبي بكر، تزوّجها ابن خالها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ثمّ تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام فقتل عنها، فتزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التَّيْمِي، فأصدقها ألف ألف درهم، توفيت حوالي سنة 110 هـ..
    2- أم إسحاق بنت طلحة، أمها أم الحارث بنت قسامة، تزوجها الحسن بن علي، ثم خلف عليها الحسين بن علي، فولدت له فاطمة بنت الحسين بن علي.
    3- الصعبة بنت طلحة، لم تذكر كتب السير اسم أمها.
    4- مريم بنت طلحة، أمها قريبة بنت أبي أمية وهي أخت أم سلمة.

    هجرته إلى المدينة
    لمّا هاجر طلحة بن عُبيد الله إلى المدينة نزل على أسعد بن زرارة، وآخى النبي بينه وبين أبي أيوب الأنصاري ،وهو القول الأشهر، وقيل بينه وبين كعب بن مالك، وقيل بينه وبين سعيد بن زيد، وقيل بينه وبين أبي بن كعب بن قيس. ورُوِى أن النبي محمد اختار له موضع داره، فعن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: «جعل رسول الله ، لطلحة موضع داره.»

    غزواته في العهد النبوي
    شارك طلحة في جميع الغزوات والمشاهد ما عدا غزوة بدر، حيث بعثه النبي محمد في غزوة العشيرة قبل غزوة بدر لتفقّد عير قريش القافلة من الشام، فقيل: «بَعَثَ رسول الله سَرِيَّةً فِي عَشَرَةٍ، فِيهِمْ طَلْحَةُ، فَقَالَ: شِعَارُكُمْ يَا عَشَرَةُ»، وأبلى طلحة بلاءً حسنًا في غزوة أحد، وشارك في غزوة الخندق، وحضر صلح الحديبية، وبايع بيعة الرضوان، وعن موسى بن طلحة عن أَبيه طلحة قال: «سماني رسول الله يوم أَحد طلحة الخَيْرِ، ويوم العُسْرة طلحة الفَيَّاض، ويوم حنين طلحة الجُود.»
    غزوة بدر
    لم يشهد طلحة غزوة بدر ولكن ضرب له النبي محمد سهمه، واُختلِف في سبب تخلفه عن الغزوة، فقال الزبير بن بكار أنه كان في تجارة بالشام عندما وقعت الغزوة، بينما قال الواقدي وغيره - وهو الأشهر - أن النبي محمد أرسله مع سعيد بن زيد ليتحسّبا خبر عير قريش القافلة من الشام، فخرجا حتّى بلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك حتّى مَرّت بهما العِير، ولكن بلغ النبي محمد الخبر قبل رجوع طلحة وسعيد إليه، فنَدَبَ أصحابه وجهز جيشًا لملاقاة القافلة، ولكن استطاعت القافلة الإفلات، ثم عاد طلحة بن عُبيد الله وسعيد بن زيد إلى المدينة المنورة ليُخبرا النبي عن خبر العير؛ ولم يَعْلَما بخروجه، فَقَدِمَا المدينة في اليوم الذي حدثت فيه المعركة بين المسلمين وقريش ببدر، فخرجا من المدينة فلقياه النبي مُنْصَرِفًا من بدر، فلم يشهد طلحة وسعيد غزوة بدر لذلك، فضرب لهما النبي بسهامهما وأجورهما في غزوة بدر فكانا كَمَنْ شَهِدَها. فعن موسى بن عقبة قال: «وَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ الشَّامَ، بَعْدَمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ بَدْرٍ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ فِي سَهْمِهِ، فَقَالَ: لَكَ سَهْمُكَ، قَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَأَجْرُكَ»
    غزوة أحد
    شهد طلحة بن عبيد الله غزوة أحد مع النبي محمد، وكان فيمن ثَبَتَ معه يومئذ حين ولّى النّاس، وبايعه على الموت، ودافع عنه حتى شُلَّت يده، فلما ولى الناس كان مع النبي محمد اثنى عشر رجلًا، وكان منهم طلحة، فأردكهم مجموعة من جيش قريش تريد قتل النبي محمد، فقال النبي محمد: «من للقوم؟» قال طلحة: «أنا»، فرفض النبي أن يخرج لهم طلحة وقال له: «كما أنت»، فقال رجل: «أنا»، قال: «أنت»، فقاتل حتى قتل، ثم قال: «من لهم؟» قال طلحة: «أنا»، قال: «كما أنت»، فقال، رجل من الأنصار: «أنا»، قال: «أنت»، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى لم يبق مع النبي محمد إلا طلحة، فقال: «من للقوم؟» قال طلحة: «أنا»، يقول جابر بن عبد الله: «فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى قطعت أصابعه، فقال: حس، فقال رسول الله : لو قلت باسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون. ثم رد الله المشركين.»
    وأثناء دفاع طلحة عن النبي محمد، رمى مالك بن زهير سهمًا فاتّقى طلحة السهم بيده عن وجه النبي محمد، فأصاب يده فََشَلّت، وأُصيب في رأسه، ضَرَبهُ رجلٌ من قريش ضَرْبَتَينِ، ضَرْبَةً وهو مقبل وضربة وهو مُعْرِض عنه، فنُزِفَ منها الدمُ، فكان ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري يقول: «أنا والله ضربتُه يومئذٍ.» وأُصيب أنفُ النّبيّ ورَباعيّتُه، وضرب طلحة ضربات عديدة حتى قيل أنها حوالي خمسٍ وسبعين أو سبعٍ وثلاثين ضربةً، فعن موسى بن طلحة: «رجع طلحة يومئذٍ بخمسٍ وسبعين أو سبعٍ وثلاثين ضربةً، رُبّعَ فيها جبينه، وقُطعَ نَساه، وشَلّت إصبعه التي تلي الإبهام.» وأراد النبي محمد الصعود على صخرة، وكان ظاهرَ بين دِرْعين فلم يستطع النّهوض، فحمله طلحة على ظهره إلى الصخرة، فقال النبي محمد: «أَوْجَبَ طلحةُ» وبعدما انتهت المعركة، كان طلحة قد أُغمَى عليه وأصابه الغَشي، فأمر النبي أبا بكر الصديق وأبا عبيدة بن الجراح بإصلاح شأن طلحة وتطييب جراحه، فيقول أبو بكر الصديق : كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ وَلِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: «عَلَيْكُمَا صَاحِبُكُمَا» يُرِيدُ طَلْحَةَ، وَقَدْ نَزَفَ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، وَضَرْبَةٍ، وَإِذَا إِصْبَعُهُ قُطِعَتْ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ.
    ثم أخذ النبي محمد يتفاخر بطلحة، فقال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَمَا فِي الأَرْضِ قُرْبِي مَخْلُوقٌ غَيْرَ جِبْرِيلَ عَنْ يَمِينِي، وَطَلْحَةُ عَنْ يَسَارِي»، فأنشد طلحة يقول:
    نَحْنُ حُمَاةُ غَالِبٍ وَمَالِكِ نَذُبُّ عَنْ رَسُولِنَا الْمُبَارَكِ
    نَضْرِبُ عَنْهُ الْقَوْمَ فِي الْمَعَارِكِ ضَرْبَ صِفَاحِ الْكَوْمِ فِي الْمَبَارِكِ
    وأنشد حسان بن ثابت في ذلك شعرًا:
    وَطَلْحَةُ يَوْمَ الشِّعْبِ آسَى مُحَمَّدًا لَدَى سَاعَةٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وَشُدَّتِ
    وَقَاهُ بِكَفَّيْهِ الرِّمَاحَ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ تَحْتَ الرِّمَاحِ فَشُلَّتِ
    وَكَانَ إِمَامَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ أَقَرَّ رَحَى الإِسْلامِ حَتَّى اسْتَقَرَّتِ

    في عهد الخلفاء الراشدين
    لما مات النبي محمد كان طلحة ممن بايع أبي بكر الصديق، وأقام معه تحت حكمه،واعترض طلحة على استخلاف أبي بكر لعمر بن الخطاب من بعده، حيث كان يرى أن عمر كان غليظًا في تعامله مع الناس، فذهب إلى أبي بكر وقال له: «اسْتَخْلَفْتَ عَلَى النَّاسِ عُمَرَ، وَقَدْ رَأَيْتَ مَا يَلْقَى النَّاسُ مِنْهُ وَأَنْتَ مَعَهُ، فَكَيْفَ بِهِ إِذَا خَلا بِهِمْ، وَأَنْتَ لاقٍ رَبَّكَ فَسَائِلُكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ»، فجلس أبو بكر - وكان مضطجعًا -، وقَالَ لِطَلْحَةَ: «أَبِاللَّهِ تُفَرِّقُنِي، أَمْ بِاللَّهِ تُخَوِّفُنِي، إِذَا لَقِيتُ اللَّهَ رَبِّي فَسَاءَلَنِي، قُلْتُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَى أَهْلِكَ خَيْرَ أَهْلِكَ»

    الشورى بعد وفاة عمر
    كان طلحة من أصحاب الشورى الستة الذين اختاروا الخليفة بعد عمر بن الخطاب، فلما طُعِن عمر بن الخطاب ودنت وفاته، أوصى بأن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راضٍ ،وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص ورفض تسمية أحدهم بنفسه، وأمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا، كما أمر بحضور ابنه عبد الله بن عمر مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيئًا، ثم أوصى صهيب بن سنان أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى. ومات عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 هـ، الموافقة لسنة 644 م، بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق والنبي محمد، وكان عمره خمسًا وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة ، بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب أهل الشورى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس وعندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»، وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف» ،وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».
    وأخذ عبد الرحمن بن عوف يستشير المسلمين، وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23 هـ/ 6 نوفمبر 644م) أعلن عبد الرحمن البيعة لعثمان بن عفان وقال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.

    روايته للحديث
    روى طلحة بن عبيد الله عدة أحاديث عن النبي، فله في مسند بقي بن مخلد بالمكرر ثمانية وثلاثون حديثًا، وله حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة أحاديث. حدث عنه بنوه: يحيى، وموسى، وعيسى، والسائب بن يزيد، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم، ومالك بن أبي عامر الأصبحي، والأحنف بن قيس التميمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون وسأله رجل عن كثرة رواية أبي هريرة عن النبي محمد فقال له: «مَا أَشُكُّ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَمْ نَسْمَعْ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، كُنَّا قَوْمًا لَنَا غَنَاءٌ وَبُيُوتَاتٌ، وَكُنَّا إِنَّمَا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِسْكِينًا لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالٌ إِنَّمَا يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ يَأْكُلُ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ فَوَاللَّهِ مَا نَشُكُّ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَمْ نَسْمَعْ.»

    نظرة أهل السنة والجماعة
    يُعدّ طلحة بن عبيد الله أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، حيث يرون أنه من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأنه من العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل طلحة ومكانته، منها:
    عن أبي هريرة قال : أن رسول الله كان على حراء، وأبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: " إهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد ".
    عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي أنه قال : أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة.
    عن أبو عثمان النهدي قال : لم يبقَ مع النبيِّ ، في بعضِ تلك الأيامِ التي قاتل فيهنَّ رسولُ اللهِ ، غيرُ طلحةَ وسعدٍ. عن حديثهما.
    عن موسى بن طلحة قال : دخلتُ علَى معاويةَ، فقالَ: ألا أبشِّرُكَ ؟ سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ يقولُ: طَلحةُ مِمَّن قضى نَحبَهُ.
    عن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام قال: «قال رسول الله : مَن سرَّهُ أن ينظرَ إلى شَهيدٍ يمشي على وَجهِ الأرضِ فلينظُر إلى طَلحةَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ»
    عن طلحة بن عبيد الله: أنَّ أصحابَ رسولِ اللَّهِ قالوا لأعرابيٍّ جاهلٍ: سلْهُ عمَّن قَضى نحبَهُ من هوَ كانوا لا يجترِئونَ على مسألتِهِ يوقِّرونَهُ ويَهابونَهُ، فسألَهُ الأعرابيُّ فأعرضَ عنْهُ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنْهُ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنْهُ، ثمَّ إنِّي اطَّلعتُ مِن بابِ المسجدِ وعليَّ ثيابٌ خضرٌ، فلمَّا رآني النَّبيُّ قالَ: أينَ السَّائلُ عمَّن قضى نحبَهُ قالَ: أنا يا رسولَ اللَّهِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ هذا مِمَّن قَضى نحبَهُ
    قال الزبير بن العوام: كان على رسولِ اللهِ يومَ أُحُدٍ درعانِ فنهضَ إلى الصخرةِ فلم يستطع فأَقْعَدَ تحتَهُ طلحةَ فصعد النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حتى استوى على الصخرةِ قال فسمعتُ النبيَّ يقولُ أَوْجَبَ طلحةُ
    عن أبي هريرة قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَمَا فِي الأَرْضِ قُرْبِي مَخْلُوقٌ غَيْرَ جِبْرِيلَ عَنْ يَمِينِي، وَطَلْحَةُ عَنْ يَسَارِي
    قَالَ الشَّعْبِيُّ : أَدْرَكْتُ خَمْسَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ.

    بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
    يُعْلِم النبي صلى الله عليه وسلم بالسهو:
    عن معاوية بن حديج قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسها فسلم في ركعتين ثم انصرف فقال له رجل يا رسول الله إنك سهوت فسلمت في ركعتين فأمر بلالا فأقام الصلاة ثم أتم تلك الركعة وسألت الناس عن الرجل الذي قال يا رسول الله إنك سهوت فقيل لي تعرفه قلت لا إلا أن أراه فمر بي رجل فقلت هو هذا قالوا هذا طلحة بن عبيد الله هذا حديث بندار قال أبو بكر هذه القصة غير قصة ذي اليدين لان المعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه سها في هذه القصة طلحة بن عبيد الله ومخبر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك القصة ذو اليدين والسهو من النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذو اليدين إنما كان في الظهر أو العصر وفي هذه القصة إنما كان السهو في المغرب لا في الظهر ولا في العصر وقصة عمران بن حصين قصة الخرباق قصة ثالثة لأن التسليم في خبر عمران من الركعة الثالثة وفي قصة ذي اليدين من الركعتين وفي خبر عمران دخل النبي صلى الله عليه وسلم حجرته ثم خرج من الحجرة وفي خبر أبي هريرة قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى خشبة معروضة في المسجد فكل هذه أدلة أن هذه القصص هي ثلاث قصص سها النبي صلى الله عليه وسلم مرة فسلم من الركعتين وسها مرة أخرى فسلم في ثلاث ركعات وسها مرة ثالثة فسلم في الركعتين من المغرب فتكلم في المرات الثلاث ثم أتم صلاته.

    يبرك تحت الرسول صلى الله عليه وسلم ليصعد عليه:
    عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعدين في أحد فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره لينهض على صخرة فلم يستطع فبرك طلحة بن عبيد الله تحته فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى جلس على الصخرة قال الزبير فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأتى المهراس وأتاه بماء في درقته فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب منه فوجد له ريحا فعافه فغسل به الدم الذي في وجهه وهو يقول اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    دونكم أخوكم فقد أوجب:
    عن عائشة قالت قال أبو بكر رضي الله عنه لما صرف الناس يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أول من جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال فجعلت أنظر إلى رجل بين يديه يقاتل عنه ويحميه فجعلت أقول كن طلحة فداك أبي وأمي مرتين قال ثم نظرت إلى رجل خلفي كأنه طائر فلم أنشب أن أدركني فإذا أبو عبيدة بن الجراح فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا طلحة بين يديه صريع فقال صلى الله عليه وسلم دونكم أخوكم فقد أوجب قال وقد رمي في جبهته ووجنته فأهويت إلى السهم الذي في جبهته لأنزعه فقال لي أبو عبيدة نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال فتركته فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه فجعل ينضنضه ويكره أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ثم استله بفيه ثم أهويت إلى السهم الذي في وجنته لأنزعه فقال أبو عبيدة نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأخذ السهم بفيه وجعل ينضنضه ويكره أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ثم استله وكان طلحة أشد نهكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم أشد منه وكان قد أصاب طلحة بضعة وثلاثون بين طعنة وضربة ورمية.

    أنا لها يا رسول الله:
    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَوَلَّى النَّاسُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَفِيهِمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَدْرَكَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مَنْ لِلْقَوْمِ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَنْتَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَنْتَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ مَنْ لِلْقَوْمِ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنَا قَالَ كَمَا أَنْتَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا فَقَالَ أَنْتَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَيُقَاتِلُ قِتَالَ مَنْ قَبْلَهُ حَتَّى يُقْتَلَ حَتَّى بَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِلْقَوْمِ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنَا فَقَاتَلَ طَلْحَةُ قِتَالَ الْأَحَدَ عَشَرَ حَتَّى ضُرِبَتْ يَدُهُ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ فَقَالَ حَسِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ.

    بشارته بالشهادة:
    عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهده فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد.

    بعض المواقف من حياته مع الصحابة
    مع عمر رضي الله عنه:
    عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال أقبلت أقول من يصطرف الدراهم فقال طلحة بن عبيد الله وهو عند عمر بن الخطاب أرنا ذهبك ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك ورقك فقال عمر بن الخطاب كلا والله لتعطيه ورقه أو لتردن إليه ذهبه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء
    وعن مالك عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال عمر ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة فقال طلحة يا أمير المؤمنين إنما هو مدر فقال عمر إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة.
    وعن الشعبي عن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه أن عمر رآه كئيبا فقال له ما لك لعله ساءتك إمرة ابن عمك قال لا وأثنى على أبي بكر ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا فرج الله عنه كربته وأشرق لونه فما منعني أن أسأله عنها إلا القدرة عليها حتى مات فقال عمر إني لأعرفها فقال له طلحة وما هي فقال له عمر هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمه لا إله إلا الله فقال له طلحة هي والله هي. قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
    وعن محمد بن طلحة قال: قال طلحة بن عبيد الله: خرجت مع عمر رضي الله عنه في بعض أسفاره فإذا براكب على الطريق فقال: ما وراءك قال: أمر جليل
    قال: ويحك! ما هو قال: مات خالد بن الوليد
    فاسترجع عمر رضي الله عنه استرجاعاً طويلاً
    فقلت له: يا أمير المؤمنين:
    ( أَلا أَرَاكَ بُعِيْدَ المَوْتِ تَنْدُبُني... وَفي حَيَاتيَ ما زَوَّدْتَني زادي )
    فقال: يا طلحة لا تؤنبني.

    مع كعب بن مالك:
    روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعب لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير <ص1604> ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان قال كعب فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت اغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا فأقول في نفسي أنا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب بن مالك فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم هل لقي هذا معي أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه <ص1606> برد السلام علي أم لا ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو بن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربك قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنونني بالتوبة يقولون لتهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما لقيت فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ] لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار [ إلى قوله ] وكونوا مع الصادقين [ فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى ] سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم [ إلى قوله ] فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين [ قال كعب وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله ] وعلى الثلاثة الذين خلفوا [ وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو إنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.

    مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
    عن رفاعة بن إياس الضبي عن أبيه عن جده قال كنا مع علي يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله أن القني فأتاه طلحة فقال نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه، قال: نعم، قال: فلم تقاتلني؟ قال: لم أذكر. قال: فانصرف طلحة. رواه الحاكم.

    مع عثمان بن عفان رضي الله عنه:
    عن زيد بن أسلم عن أبيه قال شهدت عثمان رضي الله عنه يوم حوصر في موضع الجنائز ولو ألقي حجر لم يقع إلا على رأس رجل فرأيت عثمان رضي الله عنه أشرف من الخوخة التي تلي مقام جبريل عليه السلام فقال أيها الناس أفيكم طلحة فسكتوا ثم قال أيها الناس أفيكم طلحة فسكتوا ثم قال يا أيها الناس أفيكم طلحة فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان رضي الله عنه ألا أراك هاهنا ما كنت أرى أنك تكون في جماعة تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني أنشدك الله يا طلحة تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع كذا وكذا ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك قال نعم فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يا طلحة إنه ليس من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق من أمته معه في الجنة وإن عثمان بن عفان رضي الله عنه هذا يعنيني رفيقي معي في الجنة قال طلحة اللهم نعم ثم انصرف.

    مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
    دخل على أبي بكر طلحةُ بن عبيد الله. فقال: استخلفت على الناس عمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه فكيف إذا خلا بهم وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك؟ فقال أبو بكر - وكان مضطجعا - : أجلسوني. فأجلسوه. فقال لطلحة: أبالله تفرقني أو بالله تخوفني إذا لقيت الله ربي فساءلني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك.

    أثره في الآخرين
    روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه بنوه يحيى وموسى وعيسى بنو طلحة وقيس بن أبي حازم وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومالك ابن أبي عامر الأصبحي والأحنف بن قيس..

    المعلم والقدوة:
    عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه قال كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حرم فأهدي له طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فلما استيقظ طلحة وفق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وعن مالك أنه بلغه أن طلحة بن عبيد الله كان يقدم نساءه وصبيانه من المزدلفة إلى منى وأنه سمع بعض أهل العلم يكره رمي الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر ومن رمى فقد حل له النحر.
    وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه قال كنا نصلي والدواب تمر بين أيدينا فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل مؤخرة الرحل يكون بين يدي أحدكم ثم لا يضره ما مر بين يديه.

    بعض كلماته:
    من خطبته يوم البيعة:
    قام طلحة بن عبيد الله وكان من خطباء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد ثم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين فقد أحكمتك الأمور وعجمتك البلايا واحتنكتك التجارب وأنت وشأنك وأنت ورأيك لا ننبو في يديك ولا نكل عليك إليك هذا الأمر فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب ووفدنا نفد وقدنا ننقد فإنك ولي هذا الأمر وقد بلوت وجربت واختبرت فلم ينكشف شيء من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيار ثم جلس.
    وعن طلحة بن عبيد الله قال: لقد أعطي ابن عباس فهما لقنا وعلما وما كنت أرى عمر يقدم عليه أحدا
    وقال رضي الله عنه إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء لكننا نتصبر.
    وقال طلحة بن عبيد الله أقل لِعَيْبِ الرجل لزومه بيته.
    وعن طلحة بن عبيد الله قال: ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاما ولا أقدمنا هجرة ولكنه كان أزهدنا في الدنيا أرغبنا في الآخرة.
    وقال طلحة: الكسوة تظهر النعمة، والدهن يذهب البؤس، والإحسان إلى الخادم يكبت الأعداء.

    ثراؤه وكرمه
    كان طلحة ذو ثراء فكان غلته كل يوم ألف ألف، فكان غلته بالعراق أربع مائة ألف، وغلته بالسراة نحو عشرة آلاف دينار، وبالأعراض له غلاّتٌ، ولما مات ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم، ومن الذهب مائتي ألف دينار، وثلاث مائة حمل من الذهب، وقوام أصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم.
    وكان يشتهر بكرمه وكثرة إنفاقه وصدقاته، تقول زوجته سعدى بنت عوف: «كَانَتْ غَلَّةُ طَلْحَةَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفًا وَافِيًا، وَكَانَ يُسَمَّى طَلْحَةُ الْفَيَّاضُ، وَلَقَدْ تَصَدَّقَ يَوْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ.»، فرُوِى أنه فدى عشرة من أسارى غزوة بدر بماله، وتصدّق مرّةً بحائط كان قد اشتراه بسبع مائة ألف، وفي غزوة ذي قرد اشترى بئرًا وأطعم الناس فقال له النبي محمد: «أَنْتَ طَلْحَةُ الْفَيَّاضُ»، وباع أرضًا له بسبع مائة ألف، فبات مهمومًا من مخافة ذلك المال، فلم أصبح فرق المال كله، وكان لا يدع أحدًا من بني تيم عائلًا إلا كفاه، وقضى دينه، وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى دينًا عن رجل من بني تيم قدره ثلاثين ألفًا.

    موقعة الجمل ومقتله
    كان طلحة أول من بايع عثمان بن عفان؛ حيث بايعه في مجلس الشورى، ثم كان من جملة أنصار عثمان بن عفان في الفتنة، فلما قُتِل عثمان؛ ندم على ترك نصرته وقال: «إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى.» ثم بايع علي بن أبي طالب، فيقال: «إن أول من بايعه كان طلحة بيده اليمنى وكانت شلاّء من يوم أحد»، وبعدما بايع علي بن أبي طالب؛ طلب منه طلحة والزبير تعجيل إقامة القصاص، واقترحا أن يخرجا للبصرة والكوفة، فقال طلحة: «دعني فلآت البصرة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل»، وقال الزبير: «دعني آت الكوفة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل»، فأمرهما علي بالتريّث وبعد مرور أربعة أشهر من مقتل عثمان؛ خرج الزبير وطلحة معتمرين إلى مكة والتقوا بعائشة بنت أبي بكر وكان وصولهما إلى مكة في ربيع الآخر سنة 36 هـ، ودعوا الناس إلى الأخذ بثأر عثمان.
    ثم قرروا الخروج إلى البصرة ثم الكوفة، والاستعانة بأهلها على قتلة عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل الأمصار الأخرى لذلك، ولما وصلوا البصرة؛ أرسل لهم والي البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري يسألهم عن سبب قدومهم، فأرسل إليهم كلا من عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي، فذهبا إلى عائشة فقالا: «إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا» فقالت: «والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يغطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾، ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره»، فأتيا طلحة فقالا: «ما أقدمك»، قال: «الطلب بدم عثمان»، قالا: «ألم تبايع عليا»، قال «بلى، واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان»، ثم أتيا الزبير فقالا: «ما أقدمك»، قال: «الطلب بدم عثمان»، قالا: «ألم تبايع عليا»، قال «بلى، واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان».
    ورأى عثمان بن حنيف أن يمنعهم من دخول البصرة حتى يأتي علي بن أبي طالب، فقام طلحة ثم الزبير يخطبان في أنصار المعسكرين، فأيدهما أصحاب الجمل، ورفضهما أصحاب عثمان بن حنيف. ثم قامت عائشة تخطب في المعسكرين، فثبت معها أصحاب الجمل، وانحازت إليها فرقة من أصحاب عثمان بن حنيف وجاء حكيم بن جبلة العبدي - وكان من قتلة عثمان - وسب عائشة، وكان لا يمر برجل أو امرأة ينكر عليه أن يسب عائشة إلا قتله. فانتشب القتال، واقتتلوا قتالًا شديدًا، فقُتِل عددًا ممن شارك في قتل عثمان قُدِر بسبعين رجلًا، واستطاع الزبير وطلحة ومن معهما أن يسيطروا على البصرة، وتوجه الزبير إلى بيت المال، وأخلى سبيل عثمان بن حنيف.
    وصل علي بن أبي طالب إلى ذي قار، وأرسل الرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة، فأرسل القعقاع بن عمرو إليهم فقال لعائشة: «أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟»، فقالت: «أي بني الإصلاح بين الناس». فسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح، واتفقا على الصلح، ولما عاد القعقاع إلى علي وأخبره بما فعل، فارتحل علي حتي نزل بحياهم ، ولما نوى الرحيل قال: «وإني راحل غدا فارتحلوا، ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس، وليغن السفهاء عني أنفسهم»، فلما قال هذا اجتمع جماعة من قتلة عثمان كـالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ، فقال الأشتر: «قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا»، وقال عبد الله بن سبأ: « يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون.»
    فأشعلوا القتال بين الطرفين، وحاول طلحة إيقاف القتال، فأخذ يقول وهو على دابته: «أيها الناس أنصتوا»، فلم ينصت له أحد، فقال: «أف! فراش النار، وذباب طمع.»، وقام كعب بن سور ومعه المصحف، وأخذ يناشدهم الفريقين للتوقف عن القتال حتى قتل، فأصاب طلحة سهمًا في ركبته، فقطع من رجله عرق النَّسا، فلم يزل دمه ينزف حتى مات، فكان طلحة من أول قتيل. وقيل أن السهم أصابه في حلقه فقال فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ سورة الأحزاب:38، فكان مقتله سنة ست وثلاثين، ودُفِن بالبصرة فِي قَنْطَرَةِ قِرَةَ، وهو ابن ستين سنة، وقيل: ابن اثنتين وستين سنة، وقيل: ابن أربع وستين سنة.

    الاختلاف حول هوية قاتله
    ذُكِر في عدة روايات تاريخية أن قاتل طلحة هو مروان بن الحكم، ومن هذه الروايات ما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء فقال: «حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال ينسح حتى مات.» وقال: «أن مروان رمى طلحة بسهم فقتله، ثم التفت إلى أبان، فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.»، ولكنّ رجَّح عددًا من المؤرخين والعلماء المسلمين والباحثين المعاصرين بطلان الرواية، وجمع الدكتور علي الصلابي الأسباب التي استدلوا بها في بطلان هذه الرواية وهي :
    1- قول ابن كثير: «ويقال إن الذي رماه بهذا السهم مروان بن الحكم، وقد قيل: إن الذي رماه بهذا السهم غيره، وهذا عندي أقرب وإن كان الأول مشهورًا، والله أعلم.»
    2- قول ابن العربي: «قالوا إن مروان قتل طلحة بن عبيد الله، ومن يعلم هذا إلا علام الغيوب، ولم ينقله ثبت.»
    3- قول محب الدين الخطيب: «وهذا الخبر عن طلحة ومروان لقيط لا يُعرف أبوه ولا صاحبه.»
    4- بطلان السبب الذي قيل أن مروان قتل طلحة من أجله، وهو اتهام مروان لطلحة بأنه أعان على قتل عثمان، وهذا السبب المزعوم غير صحيح؛ إذ إنه لم يثبت من طريق صحيح أن أحدًا من الصحابة قد أعان على قتل عثمان.
    5- كون مروان وطلحة من صف واحد يوم الجمل وهو صف المنادين بالإصلاح بين الناس.
    6- أن معاوية قد ولى مروان على المدينة ومكة، فلو صح ما بدر من مروان لما ولاه معاوية على رقاب المسلمين.
    7- وجود رواية لمروان بن الحكم في صحيح البخاري، مع ما عرف عن البخاري من الدقة وشدة التحري في أمر من تُقبل روايته، فلو صح قيام مروان بقتل طلحة، لكان هذا سببًا كافيًا لرد روايته والقدح في عدالته.

    بعد مقتله
    رُوِى أن طلحة لما قُتِل ورآه علي بن أبي طالب مقتولًا؛ جعل علي يمسح التراب عن وجهه، وقال: «عَزيزٌ عليَّ، أَبا محمد، أَن أَراك مُجَدّلًا تحت نجوم السماءِ»، ثم قال: «إِلى الله أَشكو عجرِي وبُجرِي»، وترحم عليه، وقال: «ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة»، وبكى هو وأَصحابه عليه،[10] ورُوِى أن عليًا قال: «بشروا قاتل طلحة بالنار.»[2] ودُفِن طلحة بالبصرة فِي قَنْطَرَةِ قِرَةَ، ويُروى أَنّ رجلًا رأى طلحة في رؤية بعد وفاته يقولَ له:[53] «حَوِّلُونِي عَنْ قَبْرِي، فَقَدْ آذَانِي الْمَاءُ، ثُمَّ رَآهُ أَيْضًا حَتَّى رَآهُ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَهُ فَنَظَرُوا، فَإِذَا شِقُّهُ الَّذِي يَلِي الأَرْضَ قَدِ اخْضَرَّ مِنَ نَزِّ الْمَاءِ، فَحَوَّلُوهُ. قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْكَافُورِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ إِلا عَقِيصَتُهُ فَإِنَّهَا مَالَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا»، وروى سعيد بن المسيب:[10] «أَن رجلًا كان يَقَع في علي وطلحة والزبير، فجعل سعد بن مالك ينهاه، ويقول: لا تقع في إِخواني، فأَبي، فقام سعد فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إِن كان مُسْخِطًا لك فيما يقول فأَرني فيه آفة، واجعله للناس آيه، فخرج الرجل فإِذا هو ببخْتيّ يشق الناس، فأَخذه بالبلاط، فوضعه بين كرْكرَته والبلاط، فسحقه حتى قتله، فأَنا رأَيت الناس يَتْبَعون سعدًا ويقولون: هنيئًا لك أَبا إِسحاق، أُجيبت دعوتك.»
    وقد قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في العراق ببناء مسجد سنة 1973م قرب مرقد قبرهِ في محافظة البصرة، وقامت مجموعة مسلّحة سنة 2006م بتفجير المرقد بعبوات ناسفة، ولم يتبقَ منهُ إلا شاهد قبرهِ.
  • محمد مصطفى محمود
    Thread Author
    Free Membership
    • Nov 2018 
    • 662 
    • 304 

    #2
    Originally posted by faristorrent
    جزاك الله كل خير
    بارك الله فيك
    Comment
    Working...
    X