الرجولة
إن للرُّجولة معانيَ جليلةً؛ فهي تدل على علوِّ الهمَّة، ورِفعة المقام،وسموقِ الشأن، وشرف الأخلاق، ومَن كان رجلًا بحقٍّ، اتضحت فيه هذه المعالم، واستشفَّها منه كلُّ الناس ولمسوها فيه.
الرجل هو ربُّ أسرةٍ وأب، وابن، وأخ، وجَدٌّ، مرَّسَتْه السنون على الشدائد فأصبح صُلبًا جَلْدًا يهزم العقبات، هو ربَّانُ سفينةِ مَن يعولهم، وهو من يرعى الضعيفَ من النساء والوِلدان في قضاء حاجاتِهم.
وكم نحتاج إلى هذا الصِّنف من الناس! لأنه عماد المجتمع ورُكنُه المكين، فإن كان أفرادُ المجتمع رجالًا لا ذكورًا، حُمِلت المسؤولياتُ على الأكتاف دون تبرُّم، ورأيتَ راياتِ الأخلاق تُعلَّق بكل باب.
سلفُنا الصالح كانوا رجالًا بأتمِّ معنى الكلمة؛ فقادوا الفتوحات، ونشروا الدين، وعاملوا بأخلاقهم الطيبة الآخرين، فَعَكَسَ ذلك مَعدِنَهم الأصيل، وقاد إلى نبعِه، وهو الإسلام، دين السماحة والعفو والحب.
إن أُشيعت الرجولة، أصبحت الحياةُ أهونَ وأيسر؛ فلن تجد الكذِبَ والنِّفاق والخداع، وقلةَ الشرف، والرياءَ والخُيَلاء، والظُّلم والقهر، وأخذَ الحق بالباطل وعقوق الآباء، وخصام الأقرباء، والتخاذل في الوَعْثاء.
قال تعالى : { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [النور: 37]، وهذا معنى رائع للرجولة بالقيام بواجبات الإسلام على أكمل وجه، والإخلاصِ فيها، وإبراء الذِّمَّة في الدنيا؛ حتى تبرأَ الذمة في الآخرة، فيكون الإنسان صالحًا بحقٍّ.
الرجولة لِباسٌ يتحلَّى به المرء، فيصبح الإنسان على فطرته السليمة ولا ينساق وراء الرَّذائل، ويكون مثلًا تقتدي به الأجيالُ التي تليه، هي مَشعلٌ يُسلَّم من يد إلى يد؛ لأنها قيم أخلاقية، وشمائلُ مُربِّية، ورفعةُ نفس عالية، علوُّها يصل إلى أبعد الآفاق، فينير نورًا ضوءُه ساطع، كشمس توسَّطت كَبِد السماء.