X

اشحن رصيد الستر

المنتدى الاسلامي

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • حنايا الروح
    Thread Author
    VIP
    • Sep 2018 
    • 1499 
    • 2,165 
    • 1,229 

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    إن نعم الله تعالى على عباده لا تُعَدُّ ولا تُحصى؛ قال جل في علاه: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]، فالنعم الظاهرة نعمة الإسلام والقرآن، والنعمة الباطنة نعمة الستر الجميل، حتى جعله لباسًا يُواري عورة ابن آدم وعيبه؛ فقال عز وجل: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26]، إنها من أعظم النعم أن تنال ستر الله عليك، فماذا لو كشف ستره عنك؟! ماذا لو كانت للذنوب رائحة؟! هل يستطيع بعضنا أن يجالس بعضًا؟! ماذا لو كتبت ذنوبنا على جباهنا فاطلع عليها الناس؟! ماذا لو كتبت على جدران بيوتاتنا الذنوب التي يقترفها هذا البيت أو ذاك؟! كم من أسرة ستحطم لو كشف ستر الله! كم من زوجة ستطلق لو كشف ستر الله! كم من صاحب سيفارق صاحبه لو كشف ستر الله! كم من خليل سيترك خليله لو كشف ستر الله! كم من أرحام ستقطع لو كشف ستر الله! كم من علاقة إنسانية ستمزق لو كشف ستر الله!



    قال الإمام ابن القيم: للعبد ستران: ستر بينه وبين ربه، وآخر بينه وبين الخلق، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله، هتك الله ستره بين الخلق، كيف تكون عبدًا مستورًا؟



    من أسباب ستر الله عليك الإخلاص واجتناب الرياء؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سمِعَ سمِعَ الله به، ومن يُرائي يُرائي الله به))؛ [متفق عليه].



    من اسباب ستر الله عليك أن تستر على نفسك، وألا تجاهر بالمعصية:

    طوبى لمن شُغِل بعيوبه عن عيوب الناس، إذا أذنبت فلا تحدِّث بذنبك أحدًا، الأحبُّ إلى الله لمن ابتُلي بالمعصية ألا يفضح نفسه، وليستتر بستر الله، والأولى ألَّا يذهب إلى الحاكم ويقول: فعلت وفعلت؛ ولذا كان من أبغض الناس إلى الله تعالى هؤلاء المجاهرون؛ في الصحيحين عن أبي هريرة يقول: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كُلُّ أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه))، ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((يا أيها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، فمن أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله))؛ (صحيح الترغيب: (2395)، صحيح لغيره).



    وفي إحدى روايات حديث ماعز عند البيهقي وغيره، إنه جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: إن الآخر زنى (يريد نفسه)، فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيرى؟ فقال: لا،



    قال أبو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله؛ فإن الله يقبل التوبة عن عباده، فلم تقرَّه نفسُه حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له كما قال لأبي بكر رضي الله عنه، فقال له عمر كما قال له أبو بكر رضي الله عنهما، فلم تقرَّه نفسُه حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الآخر زنى، قال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارًا، كل ذلك يعرض عنه حتى إذا أكثر عليه بعث إلى أهله، فقال: ((أيشتكي به جنة؟))، فقالوا: والله إنه لصحيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبكر أم ثيب؟))، فقالوا: بل ثيب، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم، والنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن هزالًا الأسلمي هو الذي أشار على ماعز بالاعتراف، دعاه ثم قال: ((يا هزال، لو سترته بثوبك، كان خيرًا لك مما صنعتَ به))؛ الألباني: الصحيحة 2/ 29.



    وقوله صلى الله عليه وسلم لـهزال: ((يا هزال، لو ستــرته بثوبك كان خيرًا لك))؛ يريد: مما أظهرته من إظهار أمره، فكان ستره بأن يأمره بالتوبة، وكتمان خطيئته، قال ابن عبدالبر: "وفي هذا الحديث من الفقه: أن الستر أولى بالمسلم على نفسه إذا وقع حدًّا من الحدود من الاعتراف به عند السلطان، وذلك مع اعتقاد التوبة والندم على الذنب، وتكون نيته ومعتقده ألا يعود، فهذا أولى به من الاعتراف؛ فإن الله يقبل التوبة عن عباده، ويحب التــوابين"، وعن عثمان بن أبي سودة، قال: لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله، قيل: وكيف يهتك ستر الله؟ قال: يعمل الرجل الذنب فيستره الله عليه فيذيعه في الناس، قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدًّا، وإذا تمحض حق الله، فهو أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه؛ فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك"؛ [فتح الباري (10:487)].



    وعن أبي الشعثاء قال: "كان شرحبيل بن السمط على جيش، فقال لجيشه: إنكم نزلتم أرضًا كثيرة النساء والشراب – يعني: الخمر - فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فنطهره، فأتاه ناس، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فكتب إليه: أنت - لا أُمَّ لك - الذي يأمر الناس أن يهتكوا ستر الله الذي سترهم به؟!".



    وعن المعرور بن سويد، قال: "أتي عمر بامرأة راعية زنَتْ، فقال عمر: ويح المرية! أفسدت حسبها، اذهبا بالمرية فاجلداها، ولا تخرقا عليها جلدها؛ إنما جعل الله أربعة شهداء سترًا، ستركم به دون فواحشكم، ولو شاء لجعله رجلًا صادقًا أو كاذبًا، فلا يطلعن ستر الله منكم أحد".



    وعن الشعبي: أن رجلًا أتى عمر بن الخطاب، قال: "إن ابنة لي أصابت حدًّا، فعمدت إلى الشفرة، فذبحت نفسها، فأدركتها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت، ثم أنها نسكت، فأقبلت على القرآن، فهي تخطب إلي، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له عمر: تعمد إلى ستر ستره الله فتكشفه؟ لئن بلغني أنك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنك نكالًا لأهل الأمصار؛ بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة".


    التوبة الصادقة من اسباب الستر:
    ذكر ابن قدامة في كتابه التوَّابين قصةً في بني إسرائيل أن موسى عليه السلام خرج يومًا يستسقي، فلم ير في السماء قزعة - أي سحابة - واشتدَّ الحرُّ، فقال موسى: يا رب، اللهم إنا نسألك الغيث فاسقنا، فقال الله جل وعلا: يا موسى، إن فيكم عبدًا يُبارزني بالذنوب أربعين عامًا، فصِحْ في القوم ونادِ إلى العباد: الذي بارز ربه بالذنوب والمعاصي أربعين عامًا أن اخرج، فقال موسى: يا رب، القوم كثير، والصوت ضعيف، فكيف يبلغهم النداء؟! فقال الله: يا موسى، قل أنت، وعلينا البلاغ، فنادى موسى بما استطاع، وبلغ الصوت جميع السامعين الحاضرين، فما كان من ذلك العبد العاصي - الذي علم أنه المقصود بالخطاب، المرقوم في الكتاب أنه ينادي بعينه بين الخلائق، فلو خرج من بين الجموع، عرف وهتك ستره، وانفضحت سريرته وكشفت خبيئته، فما كان منه إلا أن أطرق برأسه، وأدخل رأسه في جيب درعه أو قميصه، وقال: يا رب، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، فما لبث موسى ومن معه إلا أن أظلَّهم الغيم، وانفتحت السماء بمطر كأفواه القرب، فقال موسى: يا رب، سقيتنا وأغثتنا ولم يخرج منا أحد، فقال الله: يا موسى، إن من منعتكم السقيا به تاب، وسألني وأعطيته وسقيتكم بعده، فقال موسى: يا رب، أرني ذلك الرجل، فقال الله جل وعلا: يا موسى، سترته أربعين عامًا وهو يعصيني، أفأفضحه وقد تاب إلي وبين يدي؟!


    ماذا يفعل من ابتلي بذنب :

    من اقترف ذنبًا وهتك سترًا، فليبادر بالتوبة من قريب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وتأخير التوبة ذنبٌ يجب التوبة منه، فمن أذنب ذنبًا، فينبغي إليه أن يتوب إلى ربِّه، ويلجأ إلى الصلاة، فقد أخرج الترمذي بسند حسَّنه الألباني عن أبي اليسر، قال: أتتني امرأة تبتاع تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أطيب منه، فدخلت معي في البيت، فأهويت إليها فقبلتها، فأتيت أبا بكر، فذكرت ذلك له، قال: استر على نفسك وتُبْ، ولا تُخبِر أحدًا، فلم أصبر، فأتيت عمر فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتُبْ، ولا تُخبر أحدًا، فلم أصبر، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: ((أخلفت غازيًا في سبيل الله في أهله بمثل هذا)) حتى تمنَّى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظن أنه من أهل النار، قال: وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلًا حتى أوحى الله إليه، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ﴾ [هود: 114] إلى قوله: ﴿ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصةً أم للناس عامةً، قال: ((بل للناس عامةً))، وعن ميمون قال: "من أساء سرًّا، فليتب سِرًّا، ومن أساء علانيةً، فليتب علانيةً، فإن الناس يعيرون ولا يغفرون، والله يغفر ولا يُعيِّر"؛ [سير أعلام النبلاء (9:81)].



    وأن يكثر من الصلاة ومن العبادات والاستغفار؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقِمْه عليَّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقم في كتاب الله، قال: ((أليس قد صليت معنا؟))، قال: نعم، قال: ((فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال حدك))؛ [متفق عليه].



    وأن يدعو الله تعالى أن يستره في سنن أبي داود وابن ماجه، بسند صحَّحه الألباني عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي))؛ صحيح، رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (566)، وابن ماجه (3871)، وصحَّحه الحاكم (1/ 517، 518).


    متي يهتك الله الستر عن عبده :

    لكن هذا الستر من الله للعاصي له حدٌّ فحينما يتمادى العبد في معصية الله تعالى، قد يفضحه الله تعالى من حيث لا يدري؛ قال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه: "من عمِلَ عملًا ألبسه الله رداءه إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ، سيظهر هذا العمل رغم أنفه على فلتات لسانه وكلامه، ومصداق ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 72]، قال سليمان التيمي: إن الرجل ليصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته، وقال غيره: إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله، ثم يجيء إلى إخوانه، فيرون أثر ذلك عليه، ومن أعجب ما روي في هذا ما روي عن أبي جعفر السائح، قال: كان حبيب أبو محمد تاجرًا يكري الدراهم، فمرَّ ذات يوم، فإذا هو بصبيان يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الربا، فنكس رأسه، وقال: يا رب، أفشيت سري إلى الصبيان، فرجع فجمع ماله كله، وقال: يا رب إني أسير، وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فاعتقني، فلما أصبح، تصدَّق بالمال كله، وأخذ في العبادة، ثم مرَّ ذات يوم بأولئك الصبيان، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد، فبكى، وقال: يا رب أنت تذم مرةً، وتحمد مرةً، وكله من عندك.



    قال ابن القيم رحمه الله في "نونيته":

    وهو الحيي فليس يفضح عبده
    عند التجاهُر منه بالعصيان
    لكنه يلقي عليه ستره
    فهو الستِّير وصاحب الغفران


    فإذا وقع العبد في معصية، ثم تاب منها دون أن يجهر بها، وستره الله في الدنيا، ستره الله في الآخرة؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سِمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يُدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب... حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]))؛ [متفق عليه].



    ومن تاب من معصية وستره الله في الدنيا بدل يوم القيامة سيئاته حسنات؛ عن أبي عثمان النهدي قال: (إن المؤمن ليعطى كتابه في ستر من الله تعالى، فيقرأ سيئاته فيتغيَّر لونه، ثم يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثم ينظر، وإذا سيئاته قد بدلت حسنات، فعند ذلك يقول: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19]، ومن أسباب ستر الله عليك ألا تهتك ستر أحد من المسلمين.



    في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)).



    سأل رجل الحسن، فقال: يا أبا سعيد، رجل عَلِمَ من رجلٍ شيئًا، أيفشي عليه؟ قال: يا سبحان الله! لا.


    ومن أسباب الستر عدم تتبع عورات المسلمين :

    أخرج البيهقي في السنن الكبرى بسند صحيح، عن البراء بن عازب، رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها، أو قال في خدورها، فقال: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبِعوا عوراتهم، فإن من تتبَّع عورة أخيه تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته يفضحه في جوف بيته))؛ [رواه أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح (4880)].



    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال عليه الصلاة والسلام: ((من ستر عورة أخيه؛ ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته))؛ (صحيح الترغيب: (2338)).

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ستر مؤمنًا في الدنيا على عورة، ستره الله عز وجل يوم القيامة)).



    يقول ابن حجر: "قوله: ((ومن ستر مسلمًا))؛ أي: رآه على قبيح، فلم يظهره؛ أي: للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه، وقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم، وقد روي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت أقوامًا كانت لهم عيوب، فكفُّوا عن عيوب الناس، فنسيت عيوبهم.



    والعباد مع الستر صنفان: من يستر، ومن يفضح؛ كما قال الفضيل بن عياض: "المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر".

    الأول: من كان مستورًا لا يعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة، أو زلة، فإنه لا يجوز كشفها، ولا هتكها، ولا التحدُّث بها؛ لأن ذلك غيبةٌ محرمةٌ، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن المستتر فيما وقع منه، أو اتُّهِم به وهو بريء منه، كما في قصة الإفك.



    والثاني: من كان مشتهرًا بالمعاصي، معلنًا بها لا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعلن، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسن البصري وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره؛ لتقام عليه الحدود، ومثل هذا لا يشفع له إذا أخذ، ولو لم يبلغ السلطان؛ بل يترك حتى يُقام عليه الحد، لينكف شرُّه، ويرتدع به أمثاله.



    قال مالك: من لم يعرف منه أذى للناس؛ وإنما كانت منه زلة، فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام، وأما من عرف بشرٍّ أو فسادٍ، فلا أحب أن يشفع له أحد؛ ولكن يترك حتى يُقام عليه الحد؛ [جامع العلوم والحكم (38:11,12)، بتصرف].


    ومن أسباب الستر ألا تنعت المرأة امرأة أخري لزوجها:

    عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها))؛ [متفق عليه]، وهذا للأسف ينتشر بين المسلمات حتى المتدينات منهن، وينبغي ألَّا تصف المرأة امرأة أخرى لزوجها.


    عدم إفشاء اسرار الزوجين من أسباب الستر :

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى، فلما سلَّم أقبل عليهم بوجهه، فقال: ((مجالسكم، هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث، فيقول: فعلت بأهلي كذا، وفعلت بأهلي كذا؟))، فسكتوا، فأقبل على النساء، فقال: ((هل منكن من تحدث؟)) فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت؛ ليراها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليسمع كلامها، فقالت: إي والله، إنهم يتحدثون وإنهن ليتحدثن، فقال: ((هل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك، مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة، فقضى حاجته منها، والناس ينظرون إليه))؛ [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني، صحيح الجامع (7037)].


    حجاب المرأة من أسباب الستر :

    عن أبي المليح قال: دخل نسوة من أهل الشام على عائشة، فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات، قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله يقول: ((ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى))؛ [رواه أبو داود، وصحَّحه الألباني (4010)].

    فالتي تخلع ثيابها في غير بيت أهلها، تهتك الستر الذي أسدله الله تعالى عليها.


    غض البصر من أسباب الستر:

    عن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخُدْري عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة))؛ [صحيح مسلم].



    الصدقة من أسباب الستر وأن يحجبك الله تعالى عن النار:

    عن عدي بن حاتم قال: سمِعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل))؛ [صحيح مسلم].


    ستر المسلم عند تشغيله من أسباب الستر :

    قال رسول الله: ((من غسل ميتًا فستره، ستره الله من الذنوب، ومن كفَّنه، كساه الله من السندس))؛ [رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني، صحيح الجامع (6403)].


    الاحسان الي البنات من أسباب الستر :

    عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتها إيَّاها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته، فقال: ((من ابتُلي من هذه البنات بشيء كنَّ له سترًا من النار))؛ [متفق عليه].


    تأدية حق الله في المال من أسباب الستر :

    فإذا أدَّيت حق الله في مالك، سترك الله؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الخيل ثلاثة؛ هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر، فرجل ربطها رياءً وفخرًا ونواءً على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر، وأما التي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج وروضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات))؛ [رواه مسلم].


    كظم الغيظ والغضب من أسباب الستر:

    قال رسول الله: ((ومن كف غضبه ستر الله عورته))؛ [رواه ابن أبي الدنيا، وحسَّنه الألباني، صحيح الجامع (176)].


    حسن الظن بالله من أسباب الستر :

    فمن جملة الخير أن يحسن العبد ظنه بربِّه، ويحسن الظن بأنه سيستره في الدنيا والآخرة، فالله جل في علاه هو الستِّيـــر يحب الستر على عباده، ويسترهم في الدنيا والآخرة؛ يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ))؛ [صحيح الجامع (1905)].


    الاستتار وعدم التعري من أسباب الستر :

    عن جابر أن النبي قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل الحمام بغير إزار))؛ [رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني، مشكاة المصابيح (4477)]، والحمامات المقصود بها حمامات البخار وصالات الألعاب الرياضية في عصرنا، فالأصل أن يستتر.

    عدم التسميع بالفواحش
    فلا يجوز إشاعة الفاحشة بين المؤمنين؛ عن شبيل بن عوف قال: "كان يقال: من سمع بفاحشة فأفشاها، فهو فيها كالذي أبداها"؛ [صحيح الأدب المفرد (325)]. فالذي ينشر أخبار المعاصي ويُفشيها، سينال وِزْر كل من يقع فيها بسببه حتى وإن لم يقع هو في تلك المعصية، وعن عبدالله بن المبارك، قال: "كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيؤجر في ستره، ويؤجر في نهيه، فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره؛ استغضب أخاه، وهتك ستره"، وعن عبيدالله بن عبدالكريم الجيلي، قال: "من رأيته يطلب العثرات على الناس، فاعلم أنه معيوب، ومن ذكر عورات المؤمنين؛ فقد هتك ستر الله المرخي على عباده". هذه بعض أسباب الفوز بستر الله جل وعلا عليك، سترنا الله وإياكم في الدنيا والآخرة



  • aelshemy
    Free Membership
    • Oct 2018 
    • 646 
    • 429 
    • 1,032 

    #2
    بارك الله فيكى وجزاكى كل الخير وشكرا لكى الأخت الكريمة
    Comment
    • جاسم حمد
      Free Membership
      • Jun 2021 
      • 15 

      #3

      جزاك الله خيراً على المشاركة المرتبة والمنظمة
      Comment
      • حنايا الروح
        Thread Author
        VIP
        • Sep 2018 
        • 1499 
        • 2,165 
        • 1,229 

        #4
        Originally posted by aelshemy View Post
        بارك الله فيكى وجزاكى كل الخير وشكلاا لكى الأخت الكريمة
        بارك الله فيك أخي وجزاك الله خيرا على مرورك وتشريفك الطيب
        Comment
        • حنايا الروح
          Thread Author
          VIP
          • Sep 2018 
          • 1499 
          • 2,165 
          • 1,229 

          #5
          Originally posted by جاسم حمد View Post
          جزاك الله خيراً على المشاركة المرتبة والمنظمة
          بارك الله فيك أخي وجزاك الله خير على مرورك وتشريفك الطيب
          Comment
          Working...
          X