همسة أمٍّ
فاطمة محمد عبود
طالما كنت أستقبل الصباح بوجه متجهِّم..
ترمق عيوني أشياءَ أطفالي المبعثرة التي تأبى المكوث في مكانها بعد الفجر بلحظات..
تطرُقُ مسامعي أصوات طلباتهم المتدفقة كموج يكتسح ذلك الشاطئ الرملي، فيأخذ منه ما يشاء، ولا يتركه إلا وقد ترك فيه بصمته..
وأعلن ساعتها نفيرَ المشاعر العام، وما ألبث أن أندم وأعود لأحزن على أطفالي، وأعِدُ نفسي بتقديم طفولة أرقَّ وأجمل لهم، ولكن دون فائدة؛ فسيناريو العصبية هذا قد اعتدتُهُ وأصبح من الصعب التخلي عنه.. إلى أن شاء الله أن أتعلم ذات يومٍ من هذا الموقف :
عندما عُدتُ من عملي لأجد زوجي قد ترك لي خبرًا بأنه ذاهب إلى مدينة أهله مع الأولاد لمدة يومين فقط وسيعود..
دخلتُ المنزل بخطًى متثاقلة ...
أنظر هنا وهناك ...
فكل قطعة ملابس مفروشة على الأرض أضحت بالنسبة لي لوحة فنية مليئة بالمشاعر الجميلة.
نظرتُ إلى بقايا الطعام على مائدة الفطور التي طالما كانت موضع جدالنا، لأجد نفسي ألتقط هذه البقايا بكل حبٍّ، لتكون نكهتها عندي من أجمل النكهات...
أين أصواتهم التي أريد أن أسكتها؟
أين طلباتهم التي ترهقني بنتفيذها؟
أغلقتُ باب البيت، وذهبتُ لبيت أمي على أمل أن أجد الأنس مع أختي هناك، ولكن لا أحد يعوض مكان أطفالي.
ليلة واحدة مرت بأصعب شكل تخيلته، نعم، ليلة واحدة، وفي الصباح التالي وجدتُ نفسي أعتذر عن الدوام، وأستقلُّ سيارة مع أخي، وأتوجه إلى حيث أطفالي وسط استغراب الجميع ودهشتهم، ولسان حالي يقول : الحمد لله أنني فقدتهم ليومين وليس لآخر العمر.
ومن يومها وأنا أسعى بكل قوتي لتهدئة نفسي مع أطفالي، وتجنب العصبية والغضب، وقد نجحتُ إلى حدٍّ يرضيني ويرضيهم بفضل الله.
أليسوا أجمل ما نملك؟
أليسوا أعظم مؤنس بين الخلق لنا في الحياة؟
ألم نُلِحَّ على الله بالدعاء ليزرقنا بهم؟
هل توقعنا أن نلد أطفالًا ناضجين كالشباب؟
أَوَصَلْنا نحن - الكبار - لدرجة أننا لا نخطئ أم أن الكل يخطئ؟
فلماذا نعاقبهم ونكره أن نعاقَبَ نحن؟
أسئلة كثيرة ضعيها في اهتمامكِ قبل أن تصلي لدرجة الغضب من أبنائكِ، وتذكري وشاهدي بأمِّ عينكِ كيف أنه ولبعض الظروف حُرمت عائلات كثيرة من كل أطفالها، نعم، وهناك المئات من العائلات التي فقدت أطفالها في لحظات قليلة، فاحذري أختي الدعاءَ على أحب المخلوقات إلى قلبكِ.