X

الجامع المعلق ـ بردبيك المساجد المملوكية في دمشق

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • مرجان الأطرش
    Thread Author
    مشرف المنتديات العامة
    • Sep 2018 
    • 513 
    • 190 
    • 228 



    المساجد المملوكية في دمشق / الجامع المعلق ـ بردبيك
    الباحث عماد الأرمشي


    الجامع المعلق

    جزء من الخريطة منقولة عن : مخطط مركز مدينة دمشق السياحي و الصادرة عن وزارة السياحة السورية بالتعاون مع محافظة مدينة دمشق الممتازة عام 2005

    يقع الجامع المعلق خارج أسوار مدينة دمشق القديمة من الجهة الشمالية للسور القديم ما بين باب الفرج " المناخلية " وبين باب الفراديس على الطريق المؤدية لمحلة العمارة البرانية ومز القصب ، وما يسمى بالماضي شارع الحلوانيين ، أو حاضراً ما بين الحواصل .


    بعد خروج الأتراك من بلاد الشام و دخول الأمير فيصل بن الشريف الحسين دمشق بنهاية الحرب العالمية الأولى و تتويجه ملكاً على سوريا عام 1920 تبدل اسم الشارع من ( شارع الحلوانيين ) إلى ( شارع الملك فيصل ) ومازال باسمه حتى اليوم .
    Drive 068 Vue de Damas et de l'Anti Bonfils, Felix
    منظر عام لمدينة دمشق تصوير : تانسريد دوماس عام 1870 للميلاد بحسب ما ورد في ( مدينة دمشق الشام.. صور وذكريات ) جمع الصور/ الدكتور : قتيبة الشهابي ، و الأستاذ الفنان في فن التصوير: فيصل الست ، والأستاذ المحاضر : عبد القادر الطويل.
    في حين يوجد كتابة في أقصى أسفل الصورة بتوقيع ( بونقليس ) ـ فيلكس بونفيلس Felix Bonfils المصور والكاتب الفرنسي الشهير ، و إاليه يعود الفضل في توثيق دمشق الشام بالصور الفوتوغرافية .
    ويبدو في هذه الصورة الكبيرة الحجم ، النسيج العمراني لمدينة دمشق والملتقطة من مئذنة العروس بالجامع الأموي من الجنوب الى الشمال بإتجاه جبل قاسيون . يبدو في مقدمة الصورة يمين الصورة بيت ( سعيد أفندي القوتلي ) ثم حي ما بين السورين وصولاً الى الجامع المعلق ( موضوع البحث ) الظاهر فيها حرم المسجد والمئذنة الشهيرة . ثم يبدو حي سوق ساروجا وصولا الى بوابة الصالحية المتاخمة للمئذنة البارزة في أقصى اليسار ( مئذنة جامع الورد ) و كذلك مئذنة جامع المرادي في الوسط . و كذلك نرى وعلى أطراف غوطة دمشق وبساتينها الغناء الوادعة من الشرق الى الغرب فاصلة النسيج العمراني لأحياء البحصة الجوانية و البرانية وحي سوق ساروجة عن حي الصالحية و جبل قاسيون .


    Damas Rue Amara et Mosquée Maallak
    يطلق العوام من أهل الشام على هذا الجامع اسم : الجامع الجديد ، أو جامع برد بك ، أو جامع بين الحواصل ، و أخبرنا بذلك الشيخ بدران عام 1912 : أن الجامع الجديد بالعمارة هو مقابل خان قديم ، كان يقال له خان السيد .
    و الجامع يسمى الآن : بالمعلق ، ومحله يقال له : بين الحواصل وهو جامع حسن نزه يصعد إليه بسلم حجر ، وهو مبني بالحجر الأبلق ، وله منارة شاهقة تطل على بابه ، وشبابيكه تطل على نهر بردى ، وله صحن وبركة وإيوان دائرة وله باب ثان .
    و نرى بالصورة ( سكة ترام دمشق ) خط القصاع في محلة بين الحواصل حين تم تمديدها في عام 1350 للهجرة الموافق 1931 للميلاد من ساحة المرجة إلى محلة القصاع ، لوصل شرق المدينة ببقية المناطق التي تم تغطيتها بالخدمات شمالا وجنوبا ، وبمركز المدينة ( ساحة المرجة ) كما ورد في منتخبات التواريخ للحصني في الصفحة 285 ، و نرى أعمدة الكهرباء في منتصف الشارع فاصلة بين خط الترام الذاهب الى القصاع و الترام العائد منه .


    في سابع عشر ربيع الثاني سنة ثمان وخمسين وألف ( ما يوافقه 1648 ) كما ذكر بدران أن صاعقة نزلت فأصابت رأس المنارة فهدمت شيئا من بنائه فصارت لها رؤية مهولة لما أصابته الحجارة من البناء فتكفل نائب الشام يومئذ بعمارة ما خرب ولكنه لم يعده كما كان .


    والجامع المعلق هو جامع نزه بديع.. أخُتلف فيمن بناه ومن أنشأه.. وقد أعرض عن ذكره معظم من أرخ لدمشق ، في حين أن الدكتور قتيبة الشهابي حدد منشئه في معظم كتبه : أنه ( برد بك الأشرفي إينال ) ولكني بصراحة .. لم أجد في المراجع التاريخية ما يشير إليه .
    فيما ساق لنا الدكتور محمد أسعد طلس بكتابه ( ذيل ثمار المقاصد في ذكر المساجد ) أن منشئه هو ( برد بيك الأمير سيف الدين الجكمي المعروف بالعجمي الأعور ) ، أحد أمراء الألوف بدمشق ، و أنا أميل لرأي الدكتور طلس ... وهذا ما يدعم وجود اللوحة الجدارية على جدار المسجد ، والمعروف عُرفاً لدى أهل الشام أنه جامع ( الأمير بردبيك الجكمي ) ، إستناداً لما ورد في : كتاب المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ـ صفحة 92 ـ للمؤرخ يوسف بن تغري بردي الأتابكي جمال الدين أبو المحاسن حين قال :
    العجمي .
    بردبك بن عبد الله الجكمي ، المعروف بالعجمي الأعور : الأمير سيف الدين . أصله من مماليك الأمير جكم بن عوض ، المتغلب على حلب ، وخدم بعد أستاذه عند الأمير تغري بردى بن أخي دمرداش - المدعو بسيدي الصغير - . ولما أن كان بردبك المذكور راكباً بخدمة الأمير تغري بردى ، وقعت تخفيفة الأمير تغري بردى المذكور عن رأسه ، فأشار لبردبك هذا أن يناوله التخفيفة من الأرض ، فأخذ بردبك قوسه من تركاشه ، ومال عن فرسه ، وأخذ التخفيفة برأس قوسه. فلما رأى الأمير تغري بردى منه ذلك ، وجه التفاته له ، أخذ الطبر وضربه به على وجهه ضربة ذهبت منها عين بردبك المذكور. وتغيرت محاسنه من يومئذ ، ثم تنقلت به الأيام إلى أن ولى عدة ولايات ، ثم صار في أواخر الدولة الأشرفية حاجب حجاب حلب.


    ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة حماة في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة ، فدام بها إلى سنة سبع وأربعين وثمانمائة تقريباً ، وقع بينه وبين أهل حماة فتنة آلت إلى قتاله معهم ، وقتل بين الفريقين جماعة كبيرة ، ثم عصى بردبك، وخرج من حماة أشهراً.
    ثم طلب الحضور ، فلما حضر إلى الديار المصرية قبض عليه ، وحبس بالإسكندرية إلى سنة ثلاث وخمسين .. أطلق وتوجه إلى ثغر دمياط بطالاً ، ثم ُطلب بعد ذلك بمدة يسيرة إلى القاهرة ، وأنعم عليه بتقدمة ألف بدمشق ، عوضاً عن الأمير يشبك النوروزي ، حاجب حجاب دمشق ، بحكم انتقال يشبك إلى نيابة طرابلس بعد مسك الأمير يشبك الصوفي المؤيدي ، ثم استقر بردبك المذكور في إمرة حاج دمشق ، وتوجه إلى الحج ، وعاد إلى دمشق .
    و ذكر ابن العماد في الشذرات في سنة 917 هجرية ، مات احمد الفيومي قال في الكواكب : هو خطيب جامع برد بيك بدمشق وهو المعروف بالجامع الجديد خارج باب الفراديس و الفرج ، أي وهو المعروف الآن بجامع المعلق .






    يوجد مغالطة تاريخية في اللوحات الجدارية المثبتة على جدران وأبواب الجامع المعلق ، وكذلك في الصفحات الرسمية لوزارة الأوقاف السورية وهي كما ورد في اللوحات الجدارية :

    الجامع المعـلق
    بناه الأمير بردبيك الجكمي
    سنة 925 هـ

    و الخطأ هو سنة 925 للهجرة ؟؟؟
    ولو عدنا الى تاريخ دخول بني عثمان الى بلاد الشام بعد المعركة الحربية التي وقعت بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان ( سليم الأول ) وبين الدولة الملوكية بقيادة السلطان ( قانصوه الغوري ) في يوم 25 رجب الخير عام 922 للهجرة ، الموافق 24 آب / أغسطس عام 1516 للميلاد في مكان يسمى ( مرج دابق ) ، لوجدنا أن التاريخ 925 هو تاريخ خطأ .
    فكيف يتم بناء جامع مملوكي ... !! بعد دول الجيوش العثمانية لبر الشام بثلاث سنوات ؟؟؟ .
    والصحيح : بعد مراجعة التواريخ التي ذكرها المؤرخ يوسف بن تغري بردي الأتابكي جمال الدين أبو المحاسن : هو عام 861 للهجرة الموافق 1457 للميلاد .
    وأتمنى من القائمين على وضع اللوحات الجدارية على أوابد ومساجد ومدارس دمشق التاريخية الأثرية تحري الدقة ، وتقصي الوقائع التاريخية للبناء واسم بانيه و مجدده قبل وضع أي لوحة تشير إليه .


    بني قسم من الجامع المعلق فوق قناطر حجرية قائمة على مجرى مياة نهر بردى ، ولهذا أطلقت تسميته على ما يبدو بالمعلق ، وتتألف الجبهة الشمالية للجامع من واجهة حجرية كبيرة ضخمة في الجهة الشمالية المطلة على شارع الملك فيصل ، و فيها المداخل الرئيسية ، وهي واجهة عريضة تتعدى 20 متراً على طول واجهة الجامع ، وبارتفاع يقدر بسبعة أمتار ومبنية من الحجارة الأبلقية السوداء البازلتية ، والمزية الرمانية اللون والأبيض ، وفيها ثلاث شبابيك مستطيلة الشكل ، ومحمية بشبك الحديدي ، وتعتبر هذه الواجهة من أرقى واجهات المساجد الأثرية المملوكية في مدينة دمشق . يحيط بمنتصف واجهة الجامع شريط حجري من الحجارة المدككة الجميلة والمتناوبة بين اللونين المزي و الأسود على طول الواجهة البديعة المنمقة و الفريدة في التشييد .


    يتوسط واجهة الجامع ثلاث حشوات قمة في الإبداع الفني والهندسي ، اثنتان على طرفي البوابات على هيئة بحرات شمسية مستديرة الشكل ومدككة بديعة التركيب ، ويتضمن كل دائرة شكل زهرة شعاعيه من الحجارة المعشقة ، ذات شكل هندسي راقي على هيئة أغصان مورقة ضمن دائرة قرميدية اللون موشحة بقطع من القاشاني الخفيف .


    أما المربع الوحيد الموجود في منتصف واجهة الجامع فهو مزين بزخارف سهمية شبيه بالأحرف الكتابية و منفذة بطريقة المعجون المنزل والملون شبيه بمربع جامع السقيفة خارج باب توما . يعلوه شريط أملس من الحجارة البيضاء ، ثم شريط كامل من الحجارة المدككة على عرض الواجهة وصولاً إلى طنف السقف وهو عبارة عن ( رف جميل ) يلتف حول تجويف سقف الجامع كله ومن الحجارة الأبلقية السوداء و المزية مما يدل على فخامة البناء ، وعراقته بين العمائر الإسلامية المملوكية .


    وتتميز الواجهة ببوابتين متناظرتين واحدة في أقصى اليمين ، هي البوابة الغربية الرئيسية للجامع سابقاً ، والثانية البوابة الشرقية في أقصى اليسار صارت فيما حضر المدخل الرئيس للجامع .


    البوابة القديمة مبنية من الحجارة الأبلقية ، و تم بناء مشكاتين على يمين و يسار المدخل يتوسطها نافذة أبلقية للإنارة ، ثم شريط من المدكك ، ومتوجة بمحراب تزببني غني بالمقرنصات ذات الطابع المملوكي على هيئة نصف قبة متخذاً هيئة محراب ، فقد تم تصميمه بتيجان حجرية على شكل منحنيات ومقرنصات محفورة بدقة وتعلوها طاسة قوقعية مسطحة ، لكنها تتمتع بأضلاع شعاعية ترجع إلى عهد البناء الأول .


    المقرنصات والمنحنيات المحفورة بدقة ، ولكن للأسف يوجد واحدة من أقلام المقرنص مكسورة ، وتعلوها الطاسة القوقعية المسطحة الشعاعية الشكل ترجع إلى عهد البناء الأول .


    المدخل اليساري الثاني الضخم للمسجد هو على ما يبدو لي مجدد في حقبة تجديد المئذنة إبان الفترة العثمانية وهو الباب المستخدم حالياً للدخول الى المسجد .


    الشيئ المثير للدهشة هو وجود القوس الكبير النصف دائري و الغير متجانس مطلقاً مع تركيبة الباب .. ويشعر المتأمل فيه .... أن هناك خطأ ما في بنيانه . و لم تكن مثل هذه الأقواس ... متعامل بها بالفترة المملوكية لدخول المساجد ، وخاصة أن القوس قد طمس جمالية الحشوة الكبيرة الرائعة والمركبة فوق ساكفة الباب ذات الأشكال الهندسية والتلوينية البديعة .


    يصعد إلية بست درجات ، وقد غلب عليه الرخام الأسود الغالي الثمن ، وتم بنائه على شكل القوس الكبير المزخرف بأجمل النقوش الهندسية المتقاطعة ، ويظهر أن قسمه الأعلى جدد مع المنارة ، وفوقه لوحتان كتب على الأولى ما نصه :
    جدد هذه المنارة بعد انهدام ثلثها من الصاعقة الربانية من ماله صاحب الخيرات أمير الأمراء الكرام حضرة محمد باشا كافل المملكة الشامية بمباشرة اسكندر أفندي الروزنامجي سنة ثمان وخمسين وألف .


    وقد كتب على الثانية تحتها ما نصه :
    هذا ما أشار به المقر الجناب العالي المعلم محمد بن الجناب الزيني عبد الرحمن ابن البيروتي معلم المسابك الشريفة السلطانية بأمر السعا ...المحر (؟) أدام الله أيامه أن يعفو عن الجماعة النصارى الحدادين من طرح الفولاذ ولعنة الله على من سعى في ذلك بتاريخ رابع شهر جمادي الأولى سنة خمسة عشر و تسعمائة و الحمد لله وحده .


    ومن الباب يدخل إلى صحن واسع ، فيه بركة جميلة ، وأروقة شرقية و غربية ، و جبهة حجرية شمالية متقنة البناء ، يدخل منها إلى القبلية الرائعة بجمالها وزخارفها ومحرابها . فيتصل الحرم الداخلي للمسجد من جهة الشمال بالصحن المبلط ، وهو مستطيل الشكل وفرشت أرضة بالموزاييك المحدث ، وبه ( الميضأة ) بحرة الوضوء مستطيلة الشكل أيضاً ، وتحيط بالصحن أربعة أروقة من جميع جهاته .


    صحن الجامع و بحرة الوضوء سابقاً ( الميضأة ) مع الواجهة الشمالية لحرم بيت الصلاة ـ القبلية .


    واجهة حرم بيت الصلاة الشمالية ذات الحجارة المتناوبة الأبلقية البيضاء والسوداء ، وأبواب الحرم الثلاث ، أكبرها أوسطها ، ونافذتي القبلية ، يعلوهم أقواس مدببة الرأس ، ومزدانة في وسطها بأربع حشوات متداخلة الرسوم الهندسية الدائرية المتمركزة حول مركز الدائرة وبديعة الصنع و الحفر .


    واحدة من الحشوات الدائرية الأربعة والمدككة على واجهة حرم بيت الصلاة ومزدانة بالرسوم الهندسية الدائرية المتمركزة حول مركز الدائرة .


    يوجد مصلى صيفي في الرواق الشرقي للمسجد مبني من قناطر أبلقية ضخمة فيه محراب صغير كانوا يستخدمونها للصلاة في فصل الصيف الشامي ، لعليل هوائه ، وبرودة نسماته ، القادمة من خلاله من طرف نهر بردى البارد باتجاه الصحن .
    وفي الجامع كغيره من المساجد المملوكية ، يوجد ثماني غرف للطلاب في الطابق العلوي ، لكنها اليوم جزء من المسجد ، وما يتميز به هذا المسجد عن باقي المساجد المملوكية أنه : يعتبر مسجداً مملوكياً أصيلاً .. لم يُبنَ على أنقاض مسجد أقدم منه ، فالمساجد والمدارس المملوكية كانت تقام عادة على أنقاض مساجد قديمة ، فهي عملياً تمثل حالة ترميم وتعبر عن توسع عمراني ، بينما المسجد المعلّق بني بشكل مستقل .


    الرواق الغربي لصحن جامع بردبيك والقناطر الأبلقية الضخمة المدببة الرأس كنظائرها من قناطر وأقواس الصحن و حرم بين الصلاة .


    و يدخل الى حرم بيت الصلاة من ثلاث مداخل كما أسلفنا وهو حرم مجدد بالتأكيد لأستبدال سقف الحرم الطيني القديم ذو جذوع أشجار الحور والصفصاف ، بسقف باطوني ، و به جسور اسمنتية وغالب الظن أنه جدد في الفترة العثمانية ، كذلك في بداية القرن العشرين حين قامت دائرة الأوقاف الإسلامية مساجد دمشق إبان الأحتلال الفرنسي لسوريا .


    حرم بيت الصلاة و منبر الجامع الخشبي المجدد ، وفي منتصف جدار حرم بيت الصلاة يوجد شريط من أيات الله على طول امتداد الحرم ما نصها :

    لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ِْ (24)
    سورة الحشر .


    محراب الجامع ضخم مبني من الحجارة البيضاء والمزية اللون ، ضخم في قوسه ، كان بجانبه أربع أعمدة يحملون قوس المحراب ، وقد أزيلت الأعمدة في حقبة سابقة ولم أعرف ما هو سبب الإزالة ؟؟ ثم أعيد تركيبها مرة أخرى والمحراب مزخرف ببلاطات رخامية ونقوش جميلة في كلا زاويتيه ، وهو من المحاريب الجميلة في عمارة مساجد دمشق الإسلامية ، ولعل هذا المحراب هو المحراب القديم الأول الذي بناه بردبيك و متوج بالأية القرانية ما نصها :
    إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ
    (18) سورة التوبة


    القسم العلوي من محراب جامع بردبيك و الغني بالزخارف الهندسية من الرخام الأبيض والأسود والمطعمة بالحجارة البلقاء لتشكل جدايل ملفوفة مزخرفة بالرسوم الهندسية في تاج قوس المحراب .


    الجدايل الحجرية الملفوفة والمزخرفة بالرسوم الهندسية في تاج قوس المحراب بجامع بردبيك / المعلق


    الزخارف السهمية في الجدايل الحجرية فوق محراب جامع بردبيك / المعلق


    آثار قواعد الأعمدة الأربعة المُزالة من محراب جامع بردبيك والحاملة لقوس المحراب . ثم أعيد تركيبها مرة أخرى .


    وأبرز ما في المسجد هو منارته الجميلة المطلة على بابه ... شاهقة و بناؤها أبلقي بديع .
    أقول هنا ضمن أبحاث مساجد دمشق الأثرية دراسة تاريخية تحليلية : أن مئذنة جامع ( بردبيك ـ المعلق ) من أروع المآذن الشامية في التصميم الهندسي البديع . ينتقل جذعها من الشكل المربع الى الشكل المثمن عبر وصلة مائلة السطح ، كما هو الحال بالنسبة الى الواجهة ، فان جذع المئذنة يزهو أيضاً بالأشرطة المتشابكة ذات اللون الداكن ، و الحجارة المعشقة ذات الألوان المتناوبة .


    فهي مئذنة مثمنة الجذع ، وحيدة الطبقات ، مستندة على قاعدة مربعة حيث الجذع مغموس بالقاعدة ، ويتوسط الجذع المثمن الأضلاع عدد ثمان نوافذ مفتوحة ، ونوافذ صماء مقوسه متناوبة ، في كل ضلع أربع منها مفتوحة لتأمين الإنارة و التهوية لجذع المئذنة من الداخل .


    النوافذ الطولية المفتوحة المتناوبة في كل ضلع أربع منها مفتوحة لتأمين الإنارة والتهوية لجذع المئذنة و
    المحاطة بأعمدة حلزونية في زاوية الضلع .


    جذع المئذنة المتوج بثمانية أقراص زخرفية كهيئة الشمس التعبيرية مطعمة بالحجارة البلقاء لتشكل جدايل ملفوفة مزخرفة بالرسوم الهندسية .


    الجدايل الحجرية المدككة ضمن إحدى دوائر المئذنة


    شرفة المئذنة بارزة قليلاً عن الجدع التي أخذت شكله ، و يحيط بها داربزين خشبي مجدد ؛ تغطيها مظلة مثمنة خشبية مجددة أيضاً ، و أرضيتها مبنية من الخشب ، وتنتهي في أجزائها العلوية بالطريقة المعروفة في المآذن القاهرية ، وتنتهي بجوسق مثمن بطبقتين ويعلو الجوسق ذروة هي أشبه ما تكون إلى نبتة «البصلة» .


    الجوسق المثمن للجامع المعلق بطبقتين يعلوه الذروة البصلية كما هي الحال في العمارة الإسلامية للمآذن و أشكال بنائها في الديار المصرية . ان هذا النوع من قلنسوات المآذن ليس معروفا في سوريا ، و يمكن اعتبارها مملوكية متأخرة ، وقاهرية الطابع ، ونلاحظ شكل القلنسوة ذات الخطوط المتحركة ، والجسم المخصور كثيراً ، و الذي يبدو وكأنه مخروط بشكل البيضة الجالسة فوق طاسة رشيقة ، وهذا يشير الى القاعدة الحادة التي تخلو منها كل قلنسوة .


    ولابد لهذه القلنسوة أن تكون من منتصف القرن السابع عشر ، كما أن نائب الشام محمد باشا قد قام بتجديدها في أعقاب الصاعقة التي اصابتها عام 1648 للميلاد . بيد أن عبد الباسط الذي كان نفسه مهندساً ، لم يكن راضياً عن عملية التجديد تلك ، و لعله وجدها غريبة عن الطابع المألوف في بلاد الشام . وهذه المقولة تعطينا فكرة عن المظهر الذي كانت عليه المئذنة أواخر العقد الثاني من القرن العشرين .
    صورة جميلة جداً للجامع المعلق مع المئذنة ، و بالعمق مدينة دمشق و مآذن الجامع الأموي لم أهتد إلى صاحبها ، وأقدم له الشكر الجزيل على دقة التصوير و نقاء المنظر .


    نقول هنا : تكرر تجديد الجامع و المئذنة عدة مرات ، كما ذكر الشيخ بدران فقد مرت صاعقة ، فأصابت رأس هذه المئذنة ، ورمت شيئاً من حجارتها ، فصارت لها رؤية مهولة لما أصابته الحجارة من البناء ، ثم تكفل بعمارة ما خرب نائب الشام محمد باشا العظم ، ولكنه لم يعد كما كان ، فأعيد بناؤها على الطريقة المملوكية لمساجد القاهرة ، ولكن ليس كما كان رأس المئذنة عليه بالماضي ، ثم تضررت المئذنة مرة ثانية بفعل زلزال دمشق الشهير سنة 1173 للهجرة الموافق 1759 أيام سلطنة السلطان العثماني عبد الحميد الأول فأعيت ترميمها كما ورد عند دهمان بالرحاب ، فرممت .
    ثم جدد الجامع ككل مرة أخرى العام 1328 هجرية الموافق 1910 للميلاد إبان ولاية الوالي العثماني على الشام شكري باشا ( وكان أهل الشام يسمونه : شكرية خانم للطفه و تواضعه ) ، ثم جرى للجامع ترميم شامل عام 1408 للهجرة الموافق 1987 للميلاد على الصورة التي نرها الآن .


    وعموماً فإن المسجد فسيح رغم صغر مساحته إذا ما قورنت بالمساجد المملوكية التي أنشأت بنفس الفترة وهو مبني على الطريقة المملوكية البحته ، باستعمال الحجر الأبيض والأسود بالتناوب ، إضافة لنوافذه التي سُوّرت بالحديد على شكل شبك . ولكن بوابته الشرقية بحسب تحليلي الشخصي للعمائر المملوكية لا تتبع الطراز المملوكي أبداً .. إذ أنها مرتفعة كثيراً ، و ذات قوس غريب ، وتوحي زخارف الباب بأنه جدد عندما تم تجديد المسجد مؤخراً ، وتم الاحتفاظ بشكل بوابته الغربية الأصلية مع ترميم بعضاً من أجزائه .







    استخدم الجامع ( كسجن ) لحبس المغضوب عليهم من قبل الولاة الأتراك ، والمعارضين من أبناء بلاد الشام لقرارات وأحكام حزب الإتحاد والترقي التركية الأتاتوركية الحاكمة في تركيا في جمهورية مصطفى باشا أتاتورك ، بعد خلع السلطان عبد الحميد خان الثاني عن منصبه و إلغاء الخلافة الإسلامية ، وذلك في بدايات القرن العشرين إبان تواجد جمال باشا السفاح على أرض الشام حين كان والياً عسكرياً و قائداً للفيلق الرابع التركي .


    صورة ملتقطة من الغرب الى الشرق لشارع الملك فيصل ، وتبدو فيه إحدى سيارات العقد الثاني من القرن العشرين متوقفة أمام سبيل ، وسقاية الجامع المعلق .


    يتفرد الجامع المعلق بموقعه البعيد نسبياً عن الفعاليات العلمية والدينية ، فالمماليك غالباً ما كانوا يبنون مدارسهم في محيط دمشق القديمة ، أو في منطقة الصالحية ، ورحم الله الأمير برد بك الجكمي ، لتركه أثراً طيباً و مسجداً مباركاً ، بأرض الحشر ، ليذكر به اسم الله إلى أن يرث الله سبحانه و تعالى الأرض و من عليها .




    إعداد عماد الأرمشي
    باحث تاريخي بالدراسات العربية والإسلامية لمدينة دمشق

    المراجع :
    ـ في رحاب دمشق / العلامة محمد دهمان
    ـ مآذن دمشق تاريخ و طراز / د. قتيبة الشهابي
    ـ وزارة الأوقاف السورية / دليل المساجد الأثرية
    ـ ذيل ثمار المقاصد في ذكر المساجد / د. محمد أسعد طلس
    ـ منادمة الأطلال و مسامرة الخيال / الشيخ عبد القادر بن بدران
    ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب / عبد الحي بن العماد الحنبلي
    ـ مشيدات دمشق ذوات الأضرحة و عناصرها الجمالية / د. قتيبة الشهابي 1995
    ـ النقوش الكتابية في أوابد دمشق / د. قتيبة الشهابي / د. أحمد الأيبش وزارة الثقافة 1997
    ـ مساجد لها تاريخ / مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية .
    ـ المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي / يوسف بن تغري بردي الأتابكي جمال الدين أبو المحاسن
    ـ الآثار الإسلامية في مدينه دمشق / تأليف كارل ولتسينجر و كارل واتسينجر، تعريب عن الألمانية قاسم طوير، تعليق الدكتور عبد القادر الريحاوي
    - Damaskus: die islamische Stadt / Carl Watzinger & Karl Wulzinger
    ـ موقع البروفسور مايكل غرينهلغ / الجامعة الوطنية الاسترالية
    Demetrius at the Australian National University Art Serve
    Professor Michael Greenhalgh




Working...
X