X

جامع الكريمي ـ الدقاق المساجد المملوكية في دمشق

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • مرجان الأطرش
    Thread Author
    مشرف المنتديات العامة
    • Sep 2018 
    • 513 
    • 190 
    • 228 



    المساجد المملوكية في دمشق / جامع الكريمي ـ الدقاق .
    جامع الكريمي للباحث عماد الأرمشي




    يقع جامع الكريمي / الدقاق خارج أسوار مدينة دمشق القديمة في حي الميدان الفوقاني ، منطقة القبيبات ، شـيده القاضي كريم الدين بن هبة الله الوكيل الخاص السلطاني بالشام عام 718 للهجرة الموافق 1318 للميلاد ، وقد استغرق بناء الجامع عاما كاملا .


    قال الحافظ ابن كثير في تاريخه في سنة ثمان عشرة وسبعمائة:
    وفي بكرة يوم الاثنين التاسع من صفر : قدم القاضي ( كريم الدين عبد الكريم بن المعلم هبة الله ) وكيل الخاص السلطاني بالبلاد جميعها ، قدم دمشق .. فنزل في دار السعادة ، فأقام بها أربعة أيام ، وأمر ببناء جامع القبيبات الذي يقال له ( جامع كريم الدين ) ، وذهب إلى زيارة بيت المقدس ، وتصدق بصدقات كثيرة ... وافرة ، وشرع في بناء الجامع بعد سفره .
    وقال أيضاً وفي سادس عشر شعبان سنة ثمان عشرة وسبعمائة :
    أقيمت الجمعة بجامع القبيبات الذي أنشأه ( كريم الدين ) وكيل السلطان وحضر فيه القضاة والأعيان ، وخطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الواحد بن يوسف بن الوزير الحراني الآمدي الحنبلي وهو من الصالحين الكبار ذوي الزهادة والعبادة والنسك والتوحيد وطيب الصوت وحسن السمت .


    وفي سنة عشرين وسبعمائة وفي العشر الأول من شوال جرى الماء بالنهر الكريمي الذي اشتراه كريم الدين بخمسة وأربعين ألفاً ، أجراه في جدول إلى جامعه بالقبيبات ، فعاش به الناس وحصل به الأنس لأهل تلك الناحية ، ونصبت عليه الأشجار والبساتين ، وعمل حوض كبير تجاه الجامع من المغرب ، يشرب منه الناس والدواب ، وهو حوض كبير وعمل مطهرة ، وحصل بذلك نفع كبير ورفق زائد أثابه الله تعالى
    وفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة في شوال وفي الثالث والعشرين منه وجد كريم الدين الكبير وكيل الخاص السلطاني قد شنق نفسه داخل خزانة له ، قد أغلقها عليه من داخل ، وربط حلقه بحبل وكان تحت رجليه قفص ، ودفع القفص برجليه فمات في مدينة أسوان . انتهى .


    أقول هنا : أن منشئ هذا الجامع المبارك هو ( عبد الكريم بن المعلم هبة الله بن السديد القبطي المسلماني الشهير بكريم الدين ) ، كان وكيل السلطان ، حصل له من الأموال والتقدم والمكانة والحظوة عند السلطان ، ما لم يحصل لغيره في دولة الأتراك . وكان هو الكل وإليه العقد والحل ، وبلغ من الرتبة ما مزيد عليه وجمع أموالاً عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان ووجد له بعد موته دخائر كثيرة سامحه الله تعالى .
    وقد وقف الجامعين بدمشق أحدهما بالقبيبات والحوض الكبير الذي تجاه باب الجامع ، فانتفع الناس به انتفاعاً كثيراً ، والثاني بالقابون ، وله صدقات كثيرة وافرة تقبل الله تعالى منه وعفا عنا وعنه ، وقد مسك في آخر أمره وصودر ثم نفي إلى الشوبك ثم إلى القدس ثم إلى الصعيد .. فخنق نفسه كما قيل في عمامته ، وقد كان حسن الشكل تام القامة عاقلاً ذا هيبة حسنة سمحاً وقوراً ، مرض نوبة فزينت مصر بعافيته وكان يعظم رجال الدين وله بر وإيثار قارب سبعين سنة .


    وأطلق الدكتور أسعد طلس على الجامع اسم جامع الدقاق ... بدلا عن جامع الكريمي عند إحصائه لمساجد دمشق عام 1942 للميلاد ، ضمن تحقيقه لكتاب ثمار المقاصد في ذكر المساجد ليوسف بن عبد الهادي وذكر انه مسجد كريم الدين بالقبيات . وهو مسجد جامع عظيم له ثلاثة أبواب ، بابان غربيان يؤديان الى الطريق العام ، وثالث يؤدي الى ساحة الحمام ، وله صحن عظيم جداً مفروش بالحجارة السود و البيض ، وفي جهاته الشرقية و الغربية و الشمالية ثلاثة أروقة ضخمة ، وفوق الرواق الشمالي تقع المنارة المربعة الجميلة ، وفي الجهة الجنوبية باب ضخم يكتنفه بابان أصغران يؤديان الى القبلية .


    المخطط من موقع : /monummamluk-syrie.org
    أما القبلية فعظيمة جداً مستطيلة الشكل لها سقف خشبي مسنم يرجع الى عبد بنائه الأول ، وفيها ثلاثة محاريب قديمة جميلة ولكنها مشوهة بالدهان وقد كتب على أوسطها أنه جدد سنة 1296 هجرية الموافق 1879 للميلاد . و المنبر خشبي جميل الصنعة و لكنه مشوه بالدهان أيضاً ووراء موقف الخطيب لوحة حجرية قديمة كتب عليها بخط ثلثي حسن آية الكرسي ، ولعل هذه اللوحة ترجع الى عهد البناء الأول أيضاً .


    الدكتور المرحوم قتيبة الشهابي قال في سياق حديثه عن الجامع : أنه تعرض للهدم مرات عديدة كان يُرمم بعدها ، كما جددته دائرة الأوقاف الإسلامية سنة 1350 للهجرة الموافق 1931 للميلاد . وأن مئذنة هذا الجامع كمثيلاتها مئذنة جامع آراق السلحدار ، و جامع منجك ، شُـيدت بجذع مربع بسيط متقشف ، وفي أعلى كل ضلع من أعلى كل ضلع من أضلاع هذا الجذع نافذة كبيرة مقوسة . وتبدو تحت النافذة الجنوبية قاعدة مسطحة من الخشب يُفترض أنها ( التقيسة ) و الممائلة لمئذنة العروس بالجامع الأموي الكبير ، وهي شرفة مصغرة للمئذنة ، متصلة بجدع المئذنة الأصلية بواسطة رواق مسقوف وتُعرف باسم ( التقيسة ) .وقد خصصت هذه الحجرة للمُلبي الذي يلبي إمام الجامع بالتكبيرات .. ويلبيه بصوت عالٍ ليسمع كافة المصلين بالصحن الكبير ، وهي مبتكرة من العهد المملوكي ، وقد تم اقتباس هذه الفكرة و تطبيقها في جامع الشيخ محي الدين في صالحية دمشق أما الشرفة فمثمنة هي من خصائص العمارة المملوكية ، ويتألف الجوسق ذو الأضلاع الثمانية من طبقتين ، السفلية منهما مزينة بمحاريب ، والعلوية متطاولة تحمل خوذة مزخرفة غربية الشكل .


    نسبة تسمية الجامع :
    جامع الكريمي : نسبة لمنشئه القاضي كريم الدين بن هبة الله .
    جامع القبيبات : نسبة الى منطقة القبيبات
    جامع الدقاق : لا يُعرف منشأ هذه التسمية .
    وجرى توثيق الجامع بالنص و الصورة و الخارطة عام 2006 ضمن المباني الأثرية العالمية في مدينة دمشق تحت اسم جامع الدقاق / الكريمي برقم ـ 365 ـ في كتاب مجتمع وعمارة مدينة دمشق العثمانية بالقرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين للباحث شتيفان فيبر من جامعة برلين الحرة بألمانيا بحث لنيل درجة الدكتوراه .
    أنظر التوثيق .


    ولقد زرت الجامع زيارة خاطفة في نهاية عام 2007 بعد ليلة ماطرة خيرة بدمشق ، فكانت البوابة الجميلة جدا في انتظاري ، ابلقية التركيب من الحجر الأسود و المزي على شكل قوس من المدكك البازلتي . يوجد في منتصف القوس طغراء مكتوب عليها الآية القرآنية : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، ويحفها على الجانبين عرق شجرة محفور على الحجر بشكل أنيق و رائع .


    ودخلت الجامع من البوابة الغربية المطلة على طريق الميدان سكة ، عبر رواق طويل للوصول الى مدخل الجامع الغربي .


    للدخول الى صحن الجامع لا بد من عبور رواق طويل يبلغ طوله حوالي سبعون متراً مسقوفا بالأعمدة الخشبية القديمة وقد طلي الرواق بالكامل بطلاء حديث لينتهي طرفه بصحن الجامع . أما صحن الجامع فهو مستطيل الشكل مفروش بالحجارة الحديثة البيضاء و السوداء بشكل هندسي جميل ، تقوم عليه ثلاثة أروقة ضخمة البنيان .


    في جهته الشرقية يوجد الباب الشرقي ، وهو باب عادي لا شيء يذكر فيه ، أما الرواق الجنوبي فله ثلاثة أبواب و سقفه على شكل جملون وله غارب صغير فوق الباب الرئيسي للرواق .


    الجبهة الشرقية لجامع الكريمي ـ الدقاق كما هي عليه اليوم .


    أضخم هذه الأروقة : الرواق الشمالي ، تم تجديده بالكامل بالأقواس الزجاجية و يفصل بينها رخام حديث أصفر اللون ، وتقوم فوق الرواق مئذنة الجامع ، وعلى ما يبدو أنها بنيت مشابه لمئذنة العروس بالجامع الأموي مع تصغير حجمها الى الثلث . وهي ذات جذع مربع ، قصير القامة ، خالي من المقرنصات وبقية العناصر التكميلية ، مخالفة لطراز المآذن المملوكية الغنية بالزخارف الجميلة ، تعلو الجذع شرفة جميلة مثمنة الأضلاع ، خشبية الصنع ، خالفت شكل الجذع ، تم تجديدها مؤخرا . يعلوها الجوسق ذو الأضلاع الثمانية من طبقتين ، السفلية منهما مزينة بمحاريب ، والعلوية متطاولة تحمل خوذة مزخرفة قريبة بالشكل من قمم المآذن الأيوبية .


    والجدير بالذكر كما ورد آنفاً انه يوجد في منتصف جذع المئذنة ، شرفة مصغر متصلة بجدع المئذنة الأصلية بواسطة رواق وتُعرف باسم ( التقيسة ) ، وقد خصصت هذه الشرفة للمُلبي الذي يلبي إمام الجامع بالتكبيرات .. ويلبيه بصوت عالٍ ليسمع كافة المصلين بالصحن الكبير وهي مبتكرة من العهد المملوكي وقد استلهم مُشّيد المئذنة بفكرة وجود حجرة للمُلبي ، من فكرة بناء مئذنة العروس بالجامع الأموي ، فجعل لها شرفة صغيرة في منتصف الجذع . عند وصولي الى حرم بيت الصلاة ، كان المؤذن ينادي لصلاة الظهر ، فصليت معهم جماعة و كان المسجد ما شاء الله عامرا بالمصلين . حرم بيت الصلاة وجدته كما وصفه الدكتور أسعد طلس مع وجود تجديدات و تعديلات قليلة فيه ، وبدا لي أن المسجد قد تم طلائه بالكامل بطلاء حديث .


    إعداد عماد الأرمشي
    باحث تاريخي بالدراسات العربية والإسلامية لمدينة دمشق

    المراجع :

    ـ مآذن دمشق تاريخ و طراز / د. قتيبة الشهابي
    ـ ذيل ثمار المقاصد في ذكر المساجد / د. محمد أسعد طلس
    ـ البداية و النهاية / أبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي
    ـ الدارس في تاريخ المدارس / الشيخ عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي
    ـ تنبيه الطالب وإرشاد الدارس / الشيخ عبد الباسط بن موسى العلموي الدمشقي
    ـ الآثار التاريخية في دمشق / جان سوفاجيه ؛ عربه وعلق عليه د. أكرم حسن العلبي
    ـ مجتمع و عمارة مدينة دمشق العثمانية بالقرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين للباحث شتيفان فيبر من جامعة برلين الحرة بألمانيا بحث لنيل درجة الدكتوراه
    Stadt, Architektur und Gesellschaft des osmanischen Damaskus im 19. und frühen 20. Jahrhundert - Weber, Stefan, Universitat Berlin


Working...
X